فصل: شروط وجوب الزّكاة في البقر:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الموسوعة الفقهية الكويتية ****


بقر

التّعريف

1 - البقر‏:‏ اسم جنسٍ‏.‏ قال ابن سيده‏:‏ ويطلق على الأهليّ والوحشيّ، وعلى الذّكر والأنثى، وواحده بقرة، وقيل‏:‏ إنّما دخلته الهاء لأنّه واحد من الجنس‏.‏ والجمع‏:‏ بقرات، وقد سوّى الفقهاء الجاموس بالبقر في الأحكام، وعاملوهما كجنسٍ واحدٍ‏.‏

زكاة البقر‏:‏

2 - زكاة البقر واجبة بالسّنّة والإجماع‏.‏ أمّا السّنّة فما روى البخاريّ عن أبي ذرٍّ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏والّذي نفسي بيده، أو والّذي لا إله غيره - أو كما حلف - ما من رجلٍ تكون له إبل أو بقر أو غنم لا يؤدّي حقّها إلاّ أتى بها يوم القيامة أعظم ما تكون وأسمنه، تطؤه بأخفافها، وتنطحه بقرونها، كلّما جازت أخراها ردّت عليه أولاها حتّى يقضى بين النّاس‏}‏‏.‏ وما روى النّسائيّ والتّرمذيّ عن مسروقٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم ‏{‏بعث معاذاً إلى اليمن، وأمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً، ومن كلّ أربعين مسنّةً‏}‏‏.‏ وقد أجمع الصّحابة ومن بعدهم على وجوب الزّكاة في الأنعام، ولم يخالف في ذلك أحد، والبقر صنف من الأنعام، فوجبت الزّكاة فيها كالإبل والغنم، وإنّما كان الخلاف في بعض الشّروط كما سيأتي‏.‏

شروط وجوب الزّكاة في البقر‏:‏

3 - يشترط في وجوب الزّكاة في البقر شروط عامّة تفصيلها في الزّكاة، وهناك شروط خاصّة بيانها فيما يلي‏:‏ اشتراط السّوم‏:‏

4 - المراد بالسّوم في زكاة الماشية‏:‏ أن ترعى الماشية أكثر أيّام السّنة في كلأٍ مباحٍ، سواء أكانت ترعى بنفسها أم براعٍ يرعاها، هذا وقد ذهب جمهور العلماء من الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة وغيرهم إلى أنّه يشترط السّوم في زكاة الماشية، ومن بين تلك الماشية البقر، فيشترط فيها السّوم أيضاً، وأمّا البقر العوامل والمعلوفة فلا زكاة فيها، لانتفاء السّوم‏.‏ وقال الإمام مالك‏:‏ لا يشترط السّوم في زكاة البقر، فالبقر العوامل والمعلوفة تجب فيها الزّكاة عنده‏.‏ استدلّ الإمام مالك لما ذهب إليه بالإطلاق في الأحاديث الموجبة لزكاة البقر، وهو الّذي استقرّ عليه عمل أهل المدينة، وعمل أهل المدينة أحد أصول المالكيّة‏.‏ واستدلّ القائلون باشتراط السّوم في زكاة الماشية بما روي عن عليٍّ رضي الله عنه، قال الرّاوي أحسبه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم في صدقة البقر قال‏:‏ ‏{‏وليس في العوامل شيء‏}‏، وأيضاً بما روي عن عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏ليس في البقر العوامل شيء‏}‏ وقد حمل الجمهور النّصوص المطلقة في البقر على النّصوص المقيّدة بالسّوم الواردة في الإبل والغنم، كما استدلّوا بقياس البقر على الإبل والغنم في اشتراط السّوم‏.‏ وأيضاً فإنّ صفة النّماء معتبرة في الزّكاة، فلا توجد إلاّ في السّائمة، أمّا البقر العوامل فصفة النّماء مفقودة فيها، ومثلها المعلوفة فلا نماء فيها أيضاً، لأنّ علفها يستغرق نماءها، إلاّ أن يعدّها للتّجارة، فيزكّيها زكاة عروض التّجارة‏.‏

الزّكاة في بقر الوحش‏:‏

5 - ذهب أكثر العلماء إلى عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش، وعند الحنابلة روايتان، فالمذهب عندهم وجوب الزّكاة فيها، لأنّ مطلق الخبر الّذي أوجب الزّكاة في البقر - والّذي سبق ذكره - يتناولها‏.‏ والرّواية الثّانية عندهم عدم وجوب الزّكاة فيها‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ وهي أصحّ، وهو قول أكثر أهل العلم في عدم وجوب الزّكاة في بقر الوحش، لأنّ اسم البقر عند الإطلاق لا ينصرف إليها ولا يفهم منه إذ كانت لا تسمّى بقراً بدون الإضافة، فيقال‏:‏ بقر الوحش، ولأنّ العادة تنفي وجود نصابٍ منها موصوفاً بصفة السّوم حولاً كاملاً، ولأنّها حيوان لا يجزئ نوعه في الأضحيّة والهدي، فلا تجب فيها الزّكاة كالظّباء، ولأنّها ليست من بهيمة الأنعام، فلا تجب فيها الزّكاة كسائر الوحوش، والسّرّ في ذلك أنّ الزّكاة إنّما وجبت في بهيمة الأنعام دون غيرها لكثرة النّماء فيها، من درّها ونسلها وكثرة الانتفاع بها لكثرتها وخفّة مئونتها، وهذا المعنى يختصّ بها، فاختصّت الزّكاة بها دون غيرها‏.‏

زكاة المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ‏:‏

6 - ذهب الحنابلة إلى وجوب الزّكاة في المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ، سواء أكان الوحشيّ هو الفحل أم الأمّ، واحتجّوا لذلك بأنّ المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ متولّد بين الّذي تجب فيه الزّكاة وبين ما لا تجب فيه، فيرجّح جانب الوجوب، قياساً على المتولّد بين السّائمة والمعلوفة، فتجب فيه الزّكاة، فكذلك المتولّد بين الوحشيّ والأهليّ‏.‏ وعلى هذا القول تضمّ إلى جنسها من الأهليّ في وجوب الزّكاة، ويكمّل بها نصابها، وتكون كأحد أنواعه‏.‏ وقال أبو حنيفة ومالك‏:‏ إن كانت الأمّهات أهليّةً وجبت الزّكاة فيها، وإلاّ فلا‏.‏ واستدلّ لهذا القول بأنّ جانب الأمّ في الحيوان هو المعتبر، لأنّ الأمّ في الحيوان هي الّتي تقوم وحدها برعاية ابنها‏.‏ وقال الشّافعيّ‏:‏ لا زكاة فيه مطلقاً، سواء أكانت الوحشيّة من قبل الفحل أم من قبل الأمّ‏.‏

اشتراط تمام النّصاب

أمّا النّصاب فقد اختلف الفقهاء فيه على أقوالٍ، من أشهرها اتّجاهان‏:‏

8 - الاتّجاه الأوّل‏:‏ وهو قول عليّ بن أبي طالبٍ ومعاذ بن جبلٍ وأبي سعيدٍ الخدريّ رضي الله عنهم وقال به الشّعبيّ وشهر بن حوشبٍ وطاووس وعمر بن عبد العزيز والحسن البصريّ، ونقله الزّهريّ عن أهل الشّام، وبه قال أبو حنيفة ومالك وأحمد بن حنبلٍ والشّافعيّ، قالوا‏:‏ ليس فيما دون الثّلاثين من البقر شيء، فإذا بلغتها ففيها تبيع أو تبيعة، ‏(‏والتّبيع هو الّذي له سنتان، أو الّذي له سنة وطعن في الثّانية، وقيل‏:‏ ستّة أشهرٍ، والتّبيعة مثله‏)‏، ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ أربعين، فإذا بلغتها ففيها بقرة مسنّة‏.‏ ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ ستّين، فإذا بلغتها ففيها تبيعان أو تبيعتان‏.‏ ثمّ لا شيء فيها حتّى تبلغ عشراً زائدةً، فإذا بلغتها ففي كلّ ثلاثين من ذلك العدد تبيع أو تبيعة وفي كلّ أربعين مسنّ أو مسنّة، ففي سبعين تبيع ومسنّة، وفي ثمانين مسنّتان، وفي تسعين ثلاثة أتبعةٍ، وفي مائةٍ مسنّة وتبيعان، وفي مائةٍ وعشرٍ مسنّتان وتبيع، وفي مائةٍ وعشرين ثلاث مسنّاتٍ أو أربعة أتبعةٍ، فالمالك مخيّر بين إخراج الأتبعة أو المسنّات، وإن كان الأولى النّظر إلى حاجة الفقراء والأصلح لهم‏.‏ ثمّ يتغيّر الواجب كلّما زاد العدد عشراً‏.‏ واحتجّ أصحاب هذا القول بما روي عن معاذٍ رضي الله عنه ‏{‏أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم حين بعثه إلى اليمن أمره أن يأخذ من كلّ حالمٍ ديناراً، ومن البقر من كلّ ثلاثين تبيعاً أو تبيعةً، ومن كلّ أربعين مسنّةً‏}‏‏.‏ وروى ابن أبي ليلى والحكم بن عتيبة عن ‏{‏معاذٍ أنّه سأل النّبيّ صلى الله عليه وسلم عن الأوقاص‏:‏ ما بين الثّلاثين إلى الأربعين، وما بين الأربعين إلى الخمسين ‏؟‏ قال‏:‏ ليس فيها شيء‏}‏‏.‏ واحتجّوا أيضاً بما جاء في كتاب رسول اللّه صلى الله عليه وسلم إلى عمرو بن حزمٍ‏:‏ ‏{‏فرائض البقر ليس فيما دون الثّلاثين من البقر صدقة، فإذا بلغت ثلاثين ففيها عجل رائع جذع، إلى أن تبلغ أربعين، فإذا بلغت أربعين ففيها بقرة مسنّة‏.‏ إلى أن تبلغ سبعين، فإنّ فيها بقرةً وعجلاً جذعاً، فإذا بلغت ثمانين ففيها مسنّتان، ثمّ على هذا الحساب‏}‏‏.‏ هذا، ولتفصيل أحكام ما بين الفريضتين في الزّكاة - وهو المسمّى بالوقص - ينظر مصطلح‏:‏ ‏(‏أوقاص‏)‏‏.‏

9- الاتّجاه الثّاني‏:‏ قول سعيد بن المسيّب والزّهريّ وأبي قلابة وغيرهم‏:‏ أنّ نصاب البقر هو نصاب الإبل، وأنّه يؤخذ في زكاة البقر ما يؤخذ من الإبل، دون اعتبارٍ للأسنان الّتي اشترطت في الإبل، من بنت مخاضٍ وبنت لبونٍ وحقّةٍ وجذعةٍ، وروي هذا عن كتاب عمر بن الخطّاب في الزّكاة، وعن جابر بن عبد اللّه رضي الله عنهم، وشيوخٍ أدّوا الصّدقات على عهد النّبيّ صلى الله عليه وسلم وروى أبو عبيدٍ‏:‏ أنّ في كتاب عمر بن الخطّاب ‏(‏في الزّكاة‏)‏ أنّ البقر يؤخذ منها مثل ما يؤخذ من الإبل، قال‏:‏ وقد سئل عنها غيرهم، فقالوا‏:‏ فيها ما في الإبل‏.‏ وقد ذكر ابن حزمٍ بسنده عن الزّهريّ وقتادة كلاهما عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ رضي الله عنهما قال‏:‏ في كلّ خمسٍ من البقر شاة، وفي عشرٍ شاتان، وفي خمس عشرة ثلاث شياهٍ، وفي عشرين أربع شياهٍ‏.‏ قال الزّهريّ‏:‏ فرائض البقر مثل فرائض الإبل غير أسنانٍ فيها‏:‏ فإذا كانت البقر خمساً وعشرين ففيها بقرة إلى خمسٍ وسبعين، فإذا زادت على خمسٍ وسبعين ففيها بقرتان إلى مائةٍ وعشرين، فإذا زادت على مائةٍ وعشرين ففي كلّ أربعين بقرة‏.‏ قال الزّهريّ‏:‏ وبلغنا أنّ قولهم‏:‏ في كلّ ثلاثين تبيع، وفي كلّ أربعين بقرة، أنّ ذلك كان تخفيفاً لأهل اليمن، ثمّ كان بعد ذلك لا يروى‏.‏ وروي أيضاً عن عكرمة بن خالدٍ قال‏:‏ استعملت - أي ولّيت - على صدقات ‏(‏عكّ‏)‏ فلقيت أشياخاً ممّن صدّق ‏(‏أخذت منهم الصّدقة‏)‏ على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وسلم فاختلفوا عليّ‏:‏ فمنهم من قال اجعلها مثل صدقة الإبل، ومنهم من قال‏:‏ في ثلاثين تبيع، ومنهم من قال‏:‏ في أربعين بقرة مسنّة‏.‏ وذكر ابن حزمٍ أيضاً بسنده عن ابن المسيّب وأبي قلابة وآخرين مثل ما نقل عن الزّهريّ، ونقل عن عمر بن عبد الرّحمن بن خلدة الأنصاريّ‏:‏ أنّ صدقة البقر صدقة الإبل، غير أنّه لا أسنان فيها‏.‏

ما يجزئ في الأضحيّة‏:‏

10 - لا يجزئ في الأضحيّة سوى النّعم، وهي الإبل والبقر والغنم، خلافاً لمن قال‏:‏ يجوز التّضحية بأيّ شيءٍ من مأكول اللّحم من النّعم أو من غيرها‏.‏ وتفصيله في ‏(‏الأضحيّة‏)‏‏.‏ واتّفق العلماء على أنّ الشّخص إذا ضحّى بالبقرة الواحدة عن نفسه فقط فإنّ الأضحيّة تقع له، وسواء أكانت واجبةً أم متطوّعاً بها‏.‏

11 - وأمّا الاشتراك في التّضحية بالبقرة الواحدة ففيه خلاف‏:‏ فذهب الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة، وأكثر أهل العلم‏:‏ إلى أنّ البقرة الواحدة تجزئ عن سبعة أشخاصٍ، فيجوز لهم الاشتراك في البقرة الواحدة، وسواء أكانوا أهل بيتٍ واحدٍ، أم أهل بيتين، أم متفرّقين، وسواء أكانت أضحيّةً واجبةً أم متطوّعاً بها، وسواء أراد بعضهم القربة أم أراد اللّحم، فيقع لكلّ واحدٍ منهم ما قصد‏.‏ إلاّ أنّه عند الحنفيّة لا بدّ أن يريد كلّهم القربة، فلو أراد أحدهم اللّحم لم تجزئ عن الكلّ عندهم‏.‏ وقال مالك‏:‏ يجزئ الرّأس الواحد من الإبل أو البقر أو الغنم عن واحدٍ، وعن أهل البيت وإن كثر عددهم وكانوا أكثر من سبعةٍ، إذا أشركهم فيها تطوّعاً، ولا تجزئ إذا اشتروها بينهم بالشّركة، ولا على أجنبيّين فصاعداً‏.‏ واحتجّ أصحاب القول الأوّل بما رواه جابر قال‏:‏ ‏{‏نحرنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم البدنة عن سبعةٍ، والبقرة عن سبعةٍ‏}‏ وعنه قال‏:‏ ‏{‏خرجنا مع رسول اللّه صلى الله عليه وسلم مهلّين، فأمرنا أن نشترك في الإبل والبقر، كلّ سبعةٍ منّا في بدنةٍ‏}‏‏.‏ وأمّا مالك فقد أخذ بما روي عن ابن عمر رضي الله عنهما أنّه كان يقول‏:‏ البدنة عن واحدٍ والبقرة عن واحدٍ، والشّاة عن واحدٍ لا أعلم شركاً‏.‏ وقد روي هذا أيضاً عن غير ابن عمر كمحمّد بن سيرين فإنّه يرى أنّ النّفس الواحدة لا تجزئ إلاّ عن نفسٍ واحدةٍ فقط‏.‏

البقر في الهدي‏:‏

12 - حكم البقرة في الهدي كحكمها في الأضحيّة، باستثناء ما يتّصل بالتّضحية عن الرّجل وأهل بيته، وتفصيله في ‏(‏الحجّ، والهدي‏)‏‏.‏ أمّا إشعار البقر في الهدي فقد اتّفق العلماء ‏(‏سوى أبي حنيفة‏)‏ على أنّ الإشعار سنّة، وأنّه مستحبّ، وقد فعله النّبيّ صلى الله عليه وسلم والصّحابة من بعده، واتّفقوا أيضاً على أنّ الإشعار سنّة في الإبل، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام، فإن لم يكن لها سنام فإنّها تشعر في موضع السّنام‏.‏ وأمّا البقر فمذهب الشّافعيّة‏:‏ الإشعار فيها مطلقاً، سواء أكان لها سنام أم لم يكن لها سنام، فهي عندهم كالإبل‏.‏ وقد ذهب مالك إلى أنّ البقر إذا كان لها سنام فإنّها تشعر، أمّا إذا لم يكن لها سنام فإنّها لا تشعر‏.‏

حكم التّقليد

13 - التّقليد‏:‏ جعل القلادة في العنق، وتقليد الهدي‏:‏ أن يعلّق في عنقه قطعة من جلدٍ، ليعرف أنّه هدي فلا يتعرّض له‏.‏ واتّفق العلماء على أنّ التّقليد مستحبّ في الإبل والبقر‏.‏ وأمّا الغنم فقد ذهب الشّافعيّة إلى استحباب التّقليد فيها كالإبل والبقر‏.‏ وذهب أبو حنيفة ومالك إلى عدم استحباب التّقليد فيها‏.‏ وتقليد الإبل والبقر يكون بالنّعال ونحوها ممّا يشعر أنّها هدي‏.‏

ذكاة البقر

14 - ذكاة البقر كذكاة الغنم، فإذا أريد تذكية البقرة فإنّها تضجع على جنبها الأيسر، وتشدّ قوائمها الثّلاث‏:‏ اليد اليمنى واليسرى والرّجل اليسرى، وتترك الرّجل اليمنى بلا شدٍّ لتحرّكها عند الذّبح، ويمسك الذّابح رأسها بيده اليسرى، ويمسك السّكّين بيده اليمنى، ثمّ يبدأ الذّبح بعد أن يقول‏:‏ باسم اللّه واللّه أكبر وبعد أن يتّجه هو وذبيحته نحو القبلة‏.‏ وأمّا الإبل فإنّها تنحر بطعنها في اللّبّة، أي أسفل العنق، وهي قائمة معقولة الرّكبة اليسرى‏.‏

استعمال البقر للرّكوب

15 - اتّفق العلماء على أنّ ما يركب من الأنعام ويحمل عليه هو الإبل‏.‏ وأمّا البقر فإنّه لم يخلق للرّكوب، وإنّما خلق لينتفع به في حرث الأرض، وغير ذلك من المنافع سوى الرّكوب‏.‏ وأمّا الغنم فهي للدّرّ والنّسل واللّحم لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرة ومنها تأكلون، وعليها وعلى الفلك تحملون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه الّذي جعل لكم الأنعام لتركبوا منها ومنها تأكلون‏}‏، وقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وجعل لكم من الفلك والأنعام ما تركبون‏}‏‏.‏ وأمّا الآيات الّتي تذكر أنّ الأنعام تركب فهي محمولة عند العلماء على بعض الأنعام، وهي الإبل، وهو من العامّ الّذي أريد به الخاصّ‏.‏ وممّا يدلّ على أنّ استعمال البقر للرّكوب غير لائقٍ ما رواه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏بينما رجل يسوق بقرةً له قد حمل عليها، التفتت إليه البقرة فقالت‏:‏ إنّي لم أخلق لهذا، ولكنّي إنّما خلقت للحرث، فقال النّاس‏:‏ سبحان اللّه - تعجّباً وفزعاً - أبقرة تكلّم ‏؟‏ فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ فإنّي أومن به وأبو بكرٍ وعمر‏}‏‏.‏

بول وروث البقر‏:‏

16 - اتّفق الفقهاء على نجاسة بول وروث ما لا يؤكل لحمه، سواء أكان إنساناً أم غيره‏.‏ وأمّا بول وروث ما يؤكل لحمه كالإبل والبقر والغنم ففيه الخلاف فذهب أبو حنيفة وأبو يوسف والشّافعيّ إلى نجاسة الأبوال والأرواث كلّها، من مأكول اللّحم وغيره‏.‏ وذهب مالك وأحمد وطائفة من السّلف، ووافقهم من الشّافعيّة ابن خزيمة وابن المنذر وابن حبّان والإصطخريّ والرّويانيّ، ومن الحنفيّة محمّد بن الحسن إلى طهارة بول ما يؤكل لحمه‏.‏ وانظر للتّفصيل والاستدلال مصطلح ‏(‏نجاسة‏)‏‏.‏

حكم البقر في الدّية‏:‏

17 - اختلف العلماء في اعتبار البقر أصلاً في الدّية على قولين‏:‏ فذهب أبو حنيفة ومالك والشّافعيّ في القديم إلى أنّ الدّية ثلاثة أصولٍ‏:‏ الإبل، والذّهب، والفضّة، وليس أصلاً‏.‏ وذهب صاحبا أبي حنيفة ‏(‏أبو يوسف ومحمّد بن الحسن‏)‏ والثّوريّ وأحمد بن حنبلٍ إلى أنّ الدّية خمسة أصولٍ‏:‏ الإبل، والذّهب، والفضّة، والبقر، والغنم‏.‏ وزاد الصّاحبان‏:‏ الحلل، وهو قول عمر وعطاءٍ وطاووسٍ وفقهاء المدينة السّبعة، فعلى هذا القول تعتبر البقر أصلاً من أصول الدّية، ويجوز لأصحابها - كما عند الصّاحبين - دفعها ابتداءً، ولا يكلّفون غيرها‏.‏ وذهب الشّافعيّ في الجديد إلى أنّ الدّية ليس لها إلاّ أصل واحد، وهو الإبل، فإذا فقدت فالواجب قيمتها من نقد البلد بالغةً ما بلغت‏.‏ فليست البقر أصلاً على هذا القول كذلك‏.‏ وانظر للتّفصيل مصطلح ‏(‏دية‏)‏‏.‏

بكاء

التّعريف

1 - البكاء‏:‏ مصدر بكى يبكي بكًى، وبكاءً‏.‏ قال في اللّسان‏:‏ البكاء يقصر ويمدّ‏.‏ قال الفرّاء وغيره‏:‏ إذا مددت أردت الصّوت الّذي يكون مع البكاء، وإذا قصرت أردت الدّموع وخروجها‏.‏ قال كعب بن مالكٍ رضي الله عنه في رثاء حمزة بكت عيني وحقّ لها بكاها وما يغني البكاء ولا العويل قال الخليل‏:‏ من قصر ذهب به إلى معنى الحزن، ومن مدّه ذهب به إلى معنى الصّوت‏.‏ والتّباكي‏:‏ تكلّف البكاء كما في الحديث ‏{‏فإن لم تبكوا فتباكوا‏}‏‏.‏ ولا يخرج استعمال الفقهاء عن ذلك‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الصّياح والصّراخ‏:‏

2 - الصّياح والصّراخ في اللّغة‏:‏ هو الصّوت بأقصى الطّاقة، وقد يكون معهما بكاء، وقد لا يكون، ويرد الصّراخ أيضاً لرفع الصّوت على سبيل الاستغاثة‏.‏

ب - النّياح‏:‏

3 - النّياح والنّياحة لغةً‏:‏ البكاء بصوتٍ على الميّت‏.‏ وقال في المصباح، وهو قريب ممّا جاء في القاموس‏:‏ ناحت المرأة على الميّت نوحاً من باب قال، والاسم النّواح وزان غرابٍ، وربّما قيل‏:‏ النّياح بالكسر، فهي نائحة، والنّياحة بالكسر‏:‏ الاسم منه، والمناحة بفتح الميم‏:‏ موضع النّوح‏.‏ ج النّدب‏:‏

4 - النّدب لغةً‏:‏ الدّعاء إلى الأمر والحثّ عليه‏.‏ والنّدب‏:‏ البكاء على الميّت وتعداد محاسنه‏.‏ والاسم‏:‏ النّدبة‏.‏ د - النّحب، أو النّحيب‏:‏

5 - النّحب لغةً‏:‏ أشدّ البكاء، كالنّحيب‏.‏ العويل‏:‏

6 - العويل‏:‏ هو رفع الصّوت بالبكاء، يقال‏:‏ أعولت المرأة إعوالاً وعويلاً‏.‏ هذا ويتّضح ممّا تقدّم أنّ النّحيب والعويل معناهما البكاء الشّديد، وأنّ الصّراخ والصّياح متقاربان في المعنى، وأنّ النّواح يأتي بمعنى البكاء على الميّت، وأنّ النّدب هو تعداد محاسن الميّت، وأنّ البكاء ما كان مصحوباً بصوتٍ، والبكى ما كان بلا صوتٍ، بأن كان قاصراً على خروج الدّمع‏.‏ أسباب البكاء‏:‏

7 - للبكاء أسباب، منها‏:‏ خشية اللّه تعالى، والحزن، وشدّة الفرح‏.‏ الحكم التّكليفيّ للبكاء في المصيبة‏:‏

8 - البكاء قد يكون قاصراً على خروج الدّمع فقط بلا صوتٍ، أو بصوتٍ لا يمكن الاحتراز عنه، وقد يكون مصحوباً بصوتٍ كصراخٍ أو نواحٍ أو ندبٍ وغيرها، وهذا يختلف باختلاف من يصدر منه البكاء، فمن النّاس من يقدر على كتمان الحزن، ويملك السّيطرة على مشاعره، ومنهم من لا يستطيع ذلك‏.‏ فإن كان البكاء مجرّداً عن فعل اليد، كشقّ جيبٍ أو لطمٍ، وعن فعل اللّسان، كالصّراخ ودعوى الويل والثّبور ونحو ذلك، فإنّه مباح لقوله صلى الله عليه وسلم ‏{‏إنّه مهما كان من العين والقلب فمن اللّه عزّ وجلّ ومن الرّحمة، وما كان من اليد واللّسان فمن الشّيطان‏}‏ ولقوله صلى الله عليه وسلم أيضاً ‏{‏إنّ اللّه لا يعذّب بدمع العين ولا بحزن القلب، ولكن يعذّب بهذا - وأشار إلى لسانه - أو يرحم‏}‏‏.‏ أمّا حكم البكاء في غير هذه الحالة فسيأتي فيما بعد‏.‏

البكاء من خشية اللّه تعالى‏:‏

9 - المؤمن يعيش في جهادٍ مع نفسه، ويراقب اللّه في جميع أفعاله وتصرّفاته، فهو يخاف اللّه، ويبكي عند ذكره سبحانه تعالى، فهذا من المخبتين الّذين بشّرهم اللّه سبحانه وتعالى بقوله‏:‏ ‏{‏وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم والصّابرين على ما أصابهم والمقيمي الصّلاة وممّا رزقناهم ينفقون‏}‏ وهم الّذين عناهم اللّه بقوله‏:‏ ‏{‏إنّما المؤمنون الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم وإذا تليت عليهم آياته زادتهم إيماناً وعلى ربّهم يتوكّلون‏}‏‏.‏ وممّا قاله القرطبيّ في تفسير هذه الآية، مع الإشارة إلى غيرها من الآيات القريبة منها في المعنى‏:‏ وصف اللّه تعالى المؤمنين في هذه الآية بالخوف والوجل عند ذكره، وذلك لقوّة إيمانهم ومراعاتهم لربّهم، وكأنّهم بين يديه، ونظير هذه الآية ‏{‏وبشّر المخبتين الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم‏}‏ وقال‏:‏ ‏{‏الّذين آمنوا وتطمئنّ قلوبهم بذكر اللّه‏}‏، فهذا يرجع إلى كمال المعرفة وثقة القلب، والوجل‏:‏ الفزع من عذاب اللّه، فلا تناقض، وقد جمع اللّه بين المعنيين في قوله تعالى‏:‏ ‏{‏اللّه نزّل أحسن الحديث كتاباً متشابهاً مثاني تقشعرّ منه جلود الّذين يخشون ربّهم ثمّ تلين جلودهم وقلوبهم إلى ذكر اللّه‏}‏ أي تسكن نفوسهم مع اللّه من حيث اليقين، وإن كانوا يخافون اللّه‏.‏

10 - فهذه حالة العارفين باللّه، الخائفين من سطوته وعقوبته‏.‏ لا كما يفعله جهّال العوّام والمبتدعة الطّغام، من الزّعيق والزّئير ومن النّهاق الّذي يشبه نهاق الحمير، فيقال لمن تعاطى ذلك، وزعم أنّ ذلك وجد وخشوع‏:‏ لم تبلغ أن تساوي حال الرّسول ولا حال أصحابه في المعرفة باللّه، والخوف منه، والتّعظيم لجلاله، ومع ذلك فكانت حالهم عند المواعظ الفهم عن اللّه والبكاء خوفاً من اللّه، ولذلك وصف اللّه أحوال أهل المعرفة عند سماع ذكره وتلاوة كتابه فقال‏:‏ ‏{‏وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرّسول ترى أعينهم تفيض من الدّمع ممّا عرفوا من الحقّ يقولون ربّنا آمنا فاكتبنا مع الشّاهدين‏}‏‏.‏ فهذا وصف حالهم وحكاية مقالهم، ومن لم يكن كذلك فليس على هديهم ولا على طريقتهم، فمن كان مستنّاً فليستنّ بهم، ومن تعاطى أحوال المجانين والجنون فهو من أخسّهم حالاً، والجنون فنون‏.‏ روى مسلم عن أنس بن مالكٍ ‏{‏أنّ النّاس سألوا النّبيّ صلى الله عليه وسلم حتّى أحفّوه في المسألة، فخرج ذات يومٍ، فصعد المنبر، فقال‏:‏ سلوني، لا تسألوني عن شيءٍ إلاّ بيّنته لكم، ما دمت في مقامي هذا‏.‏ فلمّا سمع ذلك القوم أرموا ورهبوا أن يكون بين يدي أمرٍ قد حضر، قال أنس‏:‏ فجعلت ألتفت يميناً وشمالاً فإذا كلّ إنسانٍ لافّ رأسه في ثوبه يبكي‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏‏.‏ وذكر الحديث‏.‏ وروى التّرمذيّ وصحّحه عن العرباض بن سارية رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏وعظنا رسول اللّه صلى الله عليه وسلم موعظةً بليغةً ذرفت منها العيون، ووجلت منها القلوب‏}‏‏.‏ الحديث‏.‏ ولم يقل‏:‏ زعقنا ولا رقصنا ولا زفنا ولا قمنا‏.‏ وقال صاحب روح المعاني في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏الّذين إذا ذكر اللّه وجلت قلوبهم‏}‏ أي خافت قلوبهم منه عزّ وجلّ لإشراق أشعّة الجلال عليها‏.‏

11 - والبكاء خشيةً من اللّه له أثره في العمل، وفي غفران الذّنوب، ويدلّ لذلك ما رواه التّرمذيّ عن ابن عبّاسٍ أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏عينان لا تمسّهما النّار‏:‏ عين بكت من خشية اللّه، وعين باتت تحرس في سبيل اللّه‏}‏‏.‏ قال صاحب تحفة الأحوذيّ‏:‏ قوله‏:‏ ‏{‏عينان لا تمسّهما النّار‏}‏ أي لا تمسّ صاحبهما، فعبّر بالجزء عن الجملة، وعبّر بالمسّ إشارةً إلى امتناع ما فوقه بالأولى، وفي روايةٍ‏:‏ «أبداً ‏"‏ وفي روايةٍ‏:‏ ‏{‏لا يقربان النّار‏}‏‏.‏ وقد ذكر صاحب روح المعاني أخباراً وردت في مدح البكاء خشيةً من اللّه تعالى، من بينها هذا الحديث المتقدّم‏.‏ وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يلج النّار رجل بكى من خشية اللّه تعالى حتّى يعود اللّبن في الضّرع، ولا يجتمع على عبدٍ غبار في سبيل اللّه تعالى ودخان جهنّم‏}‏‏.‏

البكاء في الصّلاة‏:‏

12 - يرى الحنفيّة أنّ البكاء في الصّلاة إن كان سببه ألماً أو مصيبةً فإنّه يفسد الصّلاة، لأنّه يعتبر من كلام النّاس، وإن كان سببه ذكر الجنّة أو النّار فإنّه لا يفسدها، لأنّه يدلّ على زيادة الخشوع، وهو المقصود في الصّلاة، فكان في معنى التّسبيح أو الدّعاء‏.‏ ويدلّ على هذا حديث الرّسول صلى الله عليه وسلم ‏{‏أنّه كان يصلّي باللّيل وله أزيز كأزيز المرجل من البكاء‏}‏‏.‏ وعن أبي يوسف أنّ هذا التّفصيل فيما إذا كان على أكثر من حرفين، أو على حرفين أصليّين، أمّا إذا كان على حرفين من حروف الزّيادة، أو أحدها من حروف الزّيادة والآخر أصليّ، لا تفسد في الوجهين معاً، وحروف الزّيادة عشرة يجمعها قولك‏:‏ أمان وتسهيل‏.‏ وحاصل مذهب المالكيّة في هذا‏:‏ أنّ البكاء في الصّلاة إمّا أن يكون بصوتٍ، وإمّا أن يكون بلا صوتٍ، فإن كان البكاء بلا صوتٍ فإنّه لا يبطل الصّلاة، سواء أكان بغير اختيارٍ، بأن غلبه البكاء تخشّعاً أو لمصيبةٍ، أم كان اختياريّاً ما لم يكثر ذلك في الاختياريّ‏.‏ وأمّا إذا كان البكاء بصوتٍ، فإن كان اختياريّاً فإنّه يبطل الصّلاة، سواء كان لمصيبةٍ أم لتخشّعٍ، وإن كان بغير اختياره، بأن غلبه البكاء تخشّعاً لم يبطل، وإن كثر، وإن غلبه البكاء بغير تخشّعٍ أبطل‏.‏ هذا وقد ذكر الدّسوقيّ أنّ البكاء بصوتٍ، إن كان لمصيبةٍ أو لوجعٍ من غير غلبةٍ أو لخشوعٍ فهو حينئذٍ كالكلام، يفرّق بين عمده وسهوه، أي فالعمد مبطل مطلقاً، قلّ أو كثر، والسّهو يبطل إن كان كثيراً، ويسجد له إن قلّ‏.‏ وأمّا عند الشّافعيّة، فإنّ البكاء في الصّلاة على الوجه الأصحّ إن ظهر به حرفان فإنّه يبطل الصّلاة، لوجود ما ينافيها، حتّى وإن كان البكاء من خوف الآخرة‏.‏ وعلى مقابل الأصحّ‏:‏ لا يبطل لأنّه لا يسمّى كلاماً في اللّغة، ولا يفهم منه شيء، فكان أشبه بالصّوت المجرّد‏.‏ وأمّا الحنابلة فإنّهم يرون أنّه إن بان حرفان من بكاءٍ، أو تأوّهٍ خشيةً، أو أنينٍ في الصّلاة لم تبطل، لأنّه يجري مجرى الذّكر، وقيل‏:‏ إن غلبه وإلاّ بطلت، كما لو لم يكن خشيةً، لأنّه يقع على الهجاء، ويدلّ بنفسه على المعنى كالكلام، قال أحمد في الأنين‏:‏ إذا كان غالباً أكرهه، أي من وجعٍ، وإن استدعى البكاء فيها كره كالضّحك وإلاّ فلا‏.‏

البكاء عند قراءة القرآن‏:‏

13 - البكاء عند قراءة القرآن مستحبّ، ويفهم ذلك من قوله تعالى في سورة الإسراء ‏{‏ويخرّون للأذقان يبكون ويزيدهم خشوعاً‏}‏‏.‏ قال القرطبيّ‏:‏ هذا مدح لهم، وحقّ لكلّ من توسّم بالعلم، وحصل منه شيئاً أن يجري إلى هذه المرتبة، فيخشع عند استماع القرآن ويتواضع ويذلّ‏.‏ وقال الزّمخشريّ في الكشّاف في تفسير قوله تعالى‏:‏ ‏{‏ويزيدهم خشوعاً‏}‏ أي يزيدهم لين قلبٍ ورطوبة عينٍ‏.‏ وقال الطّبريّ عند الكلام على هذه الآية‏:‏ يقول تعالى ذكره‏.‏ ويخرّ هؤلاء الّذين أوتوا العلم من مؤمني أهل الكتابين، من قبل نزول الفرقان، إذا يتلى عليه القرآن لأذقانهم يبكون، ويزيدهم ما في القرآن من المواعظ والعبر خشوعاً، يعني خضوعاً لأمر اللّه وطاعته استكانةً له‏.‏ ويفهم استحباب البكاء أيضاً عند قراءة القرآن بما أخرجه ابن ماجه وإسحاق بن راهويه والبزّار في مسنديهما من حديث سعد بن أبي وقّاصٍ رضي الله عنه مرفوعاً‏:‏ ‏{‏إنّ هذا القرآن نزل بحزنٍ، فإذا قرأتموه فابكوا، فإن لم تبكوا فتباكوا‏}‏‏.‏

البكاء عند الموت وبعده‏:‏

14 - اتّفق الفقهاء على أنّ البكاء إن كان قاصراً على خروج الدّمع فقط بلا صوتٍ فإنّه جائز، قبل الموت وبعده، ومثله غلبة البكاء بصوتٍ إذا لم يقدر على ردّه، ومثله حزن القلب‏.‏ واتّفقوا أيضاً على تحريم النّدب بتعداد محاسن الميّت برفع صوتٍ، إلاّ ما نقل في الفروع عن بعض الحنابلة‏.‏ واتّفقوا على تحريم النّواح وشقّ الجيب أو الثّوب ولطم الخدّ وما أشبه ذلك، إلاّ أنّ الحنفيّة عبّروا في ذلك بالكراهة، ومرادهم الكراهة التّحريميّة، وبذلك لا يكون بين الفقهاء في ذلك خلاف‏.‏ وأمّا إذا كان البكاء بصوتٍ وغير مصحوبٍ بنياحةٍ وندبٍ أو شقّ جيبٍ أو نحو ذلك، فيرى الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة أنّه جائز، واشترط المالكيّة عدم الاجتماع للبكاء، وإلاّ كره‏.‏ وللشّافعيّة تفصيل أتى به القليوبيّ، فقال‏:‏ إنّ البكاء على الميّت إن كان لخوفٍ عليه من هول يوم القيامة ونحوه فلا بأس به، أو لمحبّةٍ ورقّةٍ كطفلٍ فكذلك، ولكنّ الصّبر أجمل، أو لصلاحٍ وبركةٍ وشجاعةٍ وفقد نحو علمٍ فمندوب، أو لفقد صلةٍ وبرٍّ وقيامٍ بمصلحةٍ فمكروه، أو لعدم تسليمٍ للقضاء وعدم الرّضى به فحرام‏.‏ وقال الشّافعيّ‏:‏ يجوز البكاء قبل الموت، فإذا مات أمسكن‏.‏ واستدلّ بحديث النّسائيّ عن جابر بن عتيكٍ كما يأتي قريباً‏.‏ والفقهاء فيما قالوه في ذلك استدلّوا بما ورد في السّنّة، فقد أخرج التّرمذيّ عن جابرٍ رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏أخذ النّبيّ صلى الله عليه وسلم بيد عبد الرّحمن بن عوفٍ رضي الله عنه فانطلق به إلى ابنه إبراهيم، فوجده يجود بنفسه، فأخذه النّبيّ صلى الله عليه وسلم فوضعه في حجره فبكى، فقال له عبد الرّحمن‏:‏ أتبكي ‏؟‏ أولم تكن نهيت عن البكاء ‏؟‏ قال‏:‏ لا‏.‏ ولكن نهيت عن صوتين أحمقين فاجرين‏:‏ صوتٍ عند مصيبةٍ، خمش وجوهٍ وشقّ جيوبٍ ورنّة شيطانٍ‏}‏‏.‏ وقد أخرج البخاريّ عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي الله عنه أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏ليس منّا من لطم الخدود وشقّ الجيوب ودعا بدعوى الجاهليّة‏}‏‏.‏ فهذا يدلّ على عدم جواز ما ذكر فيه من اللّطم وشقّ الجيب ودعوى الجاهليّة‏.‏ وأخرج النّسائيّ عن جابر بن عتيكٍ رضي الله عنه‏:‏ ‏{‏أنّ رسول اللّه صلى الله عليه وسلم جاء يعود عبد اللّه بن ثابتٍ فوجده قد غلب، فصاح النّسوة وبكين، فجعل ابن عتيكٍ يسكتهنّ، فقال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ دعهنّ، فإذا وجب فلا تبكين باكية‏.‏ قالوا‏:‏ وما الوجوب يا رسول اللّه ‏؟‏ قال‏:‏ الموت‏}‏‏.‏

البكاء عند زيارة القبر‏:‏

15 - البكاء عند زيارة القبر جائز، والدّليل على ذلك ما أخرجه مسلم في صحيحه عن أبي هريرة رضي الله عنه قال‏:‏ ‏{‏زار النّبيّ صلى الله عليه وسلم قبر أمّه فبكى، وأبكى من حوله‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ إلخ الحديث‏.‏

اجتماع النّساء للبكاء‏:‏

16 - اجتماع النّساء للبكاء عند المالكيّة مكروه إن كان بلا صوتٍ، وحرام إن كان معه صوت‏.‏ والشّافعيّة لا يجيزون الاجتماع للبكاء‏.‏ ولم يتعرّض الحنفيّة ولا الحنابلة لاجتماع النّساء للبكاء‏.‏ على أنّ الفقهاء متّفقون على جواز البكاء بالدّمع فقط بلا صوتٍ، وإنّما تأتي الكراهة أو التّحريم على ما إذا قصد الاجتماع له‏.‏ هذا، وإذا كان اجتماع النّساء للبكاء مكروهاً أو محرّماً فكراهة أو تحريم اجتماع الرّجال له أولى، وإنّما خصّ الفقهاء النّساء بالذّكر لأنّ هذا شأنهنّ‏.‏

أثر بكاء المولود عند الولادة‏:‏

17 - إذا بكى المولود عند ولادته، بأن استهلّ صارخاً، فإنّ ذلك يدلّ على تحقّق حياته، سواء انفصل بالكلّيّة كما عند الشّافعيّة، أم لم ينفصل كما عند الحنفيّة‏.‏ فإن لم يبك، ولم توجد منه علامة تدلّ على الحياة فلا يحكم بحياته‏.‏ فإن بدا منه ما يدلّ على حياته، كالبكاء والصّراخ ونحو ذلك، فإنّه يعطى حكم الأحياء، فيسمّى ويرث، ويقتصّ من قاتله عمداً، ويستحقّ مواليه الدّية في غير العمد فإن مات بعد تحقّق حياته فإنّه يغسّل ويصلّى عليه ويورث‏.‏ وتفصيل ذلك يرجع إليه في مصطلح ‏(‏استهلال‏)‏‏.‏

أثر بكاء البكر عند الاستئذان لتزويجها‏:‏

18 - إذا استؤذنت البكر في النّكاح فبكت، فإنّ للفقهاء في دلالته على الرّضا وعدمه اتّجاهاتٍ ثلاثةً‏:‏

أ - فالحنفيّة والشّافعيّة يقولون‏:‏ إن كان البكاء بلا صوتٍ فيدلّ على الرّضا، وإن كان بصوتٍ فلا يدلّ على الرّضا‏.‏

ب - والمالكيّة يقولون‏:‏ إنّ بكاء البكر غير المجبرة، وهي الّتي يزوّجها غير الأب من الأولياء، يعتبر رضاً، لاحتمال أنّ هذا البكاء إنّما هو لفقد الأب مثلاً، فإن علم أنّه للمنع من الزّواج لم يكن رضاً‏.‏

ج - والحنابلة يقولون‏:‏ إنّ البكاء إذن في النّكاح، لما روى أبو هريرة قال رسول اللّه صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏تستأمر اليتيمة فإذا بكت أو سكتت فهو رضاها، وإن أبت فلا جواز عليها‏}‏ ولأنّها غير ناطقةٍ بالامتناع مع سماع الاستئذان، فكان ذلك إذناً منها كالصّمات‏.‏ والبكاء يدلّ على فرط الحياء لا الكراهة‏.‏ ولو كرهت لامتنعت، فإنّها لا تستحي من الامتناع‏.‏

بكاء المرء هل يكون دليلاً على صدق مقاله‏:‏

19 - بكاء المرء لا يدلّ على صدق مقاله، ويدلّ على ذلك قوله تعالى في سورة يوسف ‏{‏وجاءوا أباهم عشاءً يبكون‏}‏‏.‏ فإنّ إخوة يوسف تصنّعوا البكاء ليصدّقهم أبوهم بما أخبروه به، مع أنّ الّذي أخبروه به كذب، هم الّذين دبّروه وفعلوه‏.‏ قال القرطبيّ قال علماؤنا‏:‏ هذه الآية دليل على أنّ بكاء المرء لا يدلّ على صدق مقاله، لاحتمال أن يكون تصنّعاً، فمن الخلق من يقدر على ذلك، وفيهم من لا يقدر، وقد قيل‏:‏ إنّ الدّمع المصنوع لا يخفى‏.‏ كما قال حكيم‏:‏ إذا اشتبكت دموع في خدودٍ تبيّن من بكى ممّن تباكى‏.‏

بكارة

التّعريف

1 - البكارة ‏(‏بالفتح‏)‏ لغةً‏:‏ عذرة المرأة، وهي الجلدة الّتي على القبل‏.‏ والبكر‏:‏ المرأة الّتي لم تفتضّ، ويقال للرّجل‏:‏ بكر، إذا لم يقرب النّساء، ومنه حديث ‏{‏البكر بالبكر جلد مائةٍ ونفي سنةٍ‏}‏‏.‏ والبكر اصطلاحاً عند الحنفيّة‏:‏ اسم لامرأةٍ لم تجامع بنكاحٍ ولا غيره، فمن زالت بكارتها بغير جماعٍ كوثبةٍ، أو درور حيضٍ، أو حصول جراحةٍ، أو تعنيسٍ‏:‏ بأن طال مكثها بعد إدراكها في منزل أهلها حتّى خرجت عن عداد الأبكار فهي بكر حقيقةً وحكماً‏.‏ وعرّفها المالكيّة‏:‏ بأنّها الّتي لم توطأ بعقدٍ صحيحٍ، أو فاسدٍ جرى مجرى الصّحيح‏.‏ وقيل‏:‏ إنّها الّتي لم تزل بكارتها أصلاً‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة‏:‏

أ - العذرة‏:‏

2 - العذرة لغةً‏:‏ الجلدة الّتي على المحلّ‏.‏ ومنه العذراء، وهي‏:‏ المرأة الّتي لم تزل بكارتها بمزيلٍ‏.‏ فالعذراء‏:‏ ترادف البكر لغةً وعرفاً، وقد يفرّقون بينهما، فيطلقون العذراء على من لم تزل بكارتها أصلاً، وقال الدّردير‏:‏ إذا جرى العرف بالتّسوية بينهما يعتبر‏.‏

ب - الثّيوبة‏:‏

3 - الثّيوبة‏:‏ زوال البكارة بالوطء ولو حراماً‏.‏ والثّيّب لغةً‏:‏ ضدّ البكر، فهي الّتي تزوّجت فثابت، وفارقت زوجها بأيّ وجهٍ كان بعد أن مسّها، وعن الأصمعيّ أنّ الثّيّب‏:‏ هو الرّجل أو المرأة بعد الدّخول‏.‏ والثّيّب اصطلاحاً‏:‏ من زالت بكارتها بالوطء ولو حراماً‏.‏ والثّيّب والبكر ضدّان‏.‏

ما تثبت به البكارة عند التّنازع‏:‏

4 - أجاز جمهور الفقهاء قبول شهادة النّساء في البكارة والثّيوبة‏.‏ واختلفوا في العدد المشترط‏:‏ فذهب الحنفيّة والحنابلة إلى أنّ البكارة تثبت بشهادة امرأةٍ ثقةٍ، والثّنتان أحوط وأوثق‏.‏ وأجاز أبو الخطّاب من الحنابلة شهادة الرّجل في ذلك‏.‏ وذهب المالكيّة - على ما صرّح به خليل والدّردير في شرحيه - إلى أنّها تثبت بشهادة امرأتين‏.‏ لكن قال الدّسوقيّ في باب النّكاح‏:‏ إن أتى الرّجل بامرأتين، أو امرأةٍ واحدةٍ تشهد له على ما تصدّق فيه الزّوجة قبلت‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ تثبت البكارة بشهادة رجلين، أو رجلٍ وامرأتين، أو شهادة أربع نسوةٍ‏.‏ ومناط قول شهادة المرأة في إثبات البكارة أنّ موضعها عورة لا يطّلع عليه الرّجال إلاّ للضّرورة، وروى مالك عن الزّهريّ‏:‏ ‏{‏مضت السّنّة أنّه تجوز شهادة النّساء فيما لا يطّلع عليه غيرهنّ، من ولادة النّساء وعيوبهنّ‏}‏‏.‏ وقيس على ذلك البكارة والثّيوبة‏.‏ وتثبت البكارة كذلك باليمين حسب التّفصيل الّذي سيأتي‏.‏

أثر البكارة في عقد النّكاح‏:‏ ما يكون به إذن البكر‏:‏

5 - اتّفق الفقهاء على أنّ سكوت البكر البالغة عند استئذانها في النّكاح إذن منها، لحديث‏:‏ ‏{‏البكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها‏}‏‏.‏ ولما روي عن ابن عبّاسٍ رضي الله عنهما أنّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال‏:‏ ‏{‏الأيّم أحقّ بنفسها من وليّها، والبكر تستأذن في نفسها، وإذنها صماتها‏}‏‏.‏ ومثل السّكوت‏:‏ الضّحك بغير استهزاءٍ، لأنّه أدلّ على الرّضا من السّكوت، وكذا التّبسّم والبكاء بلا صوتٍ، لدلالة بكاها على الرّضا ضمناً‏.‏ والمعوّل عليه اعتبار قرائن الأحوال في البكاء والضّحك، فإن تعارضت أو أشكل احتيط‏.‏ واستئمار البكر البالغة العاقلة مندوب عند الجمهور، لأنّ لوليّها الحقّ في إجبارها على النّكاح‏.‏ وسنّة عند الحنفيّة، لأنّه ليس لوليّها حقّ الإجبار‏.‏ وتفصيل ذلك في مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

6- وقد ذكر المالكيّة أبكاراً لا يكتفى بصمتهنّ، بل لا بدّ من إذنهنّ بالقول عند استئذانهنّ في النّكاح‏:‏

أ - بكر رشّدها أبوها أو وصيّه بعد بلوغها، لأنّه لا جبر لأبيها عليها، لما قام بها من حسن التّصرّف على المعروف في المذهب‏.‏

ب - بكر مجبرة عضلها أبوها، أي منعها من النّكاح لا لمصلحتها، بل للإضرار بها، فرفعت أمرها للحاكم، فأراد تزويجها لامتناع أبيها، وزوّجها‏.‏

ج - بكر يتيمة مهملة لا أب لها ولا وصيّ، خيف فسادها بفقرٍ أو زنًى أو عدم حاضنٍ شرعيٍّ في قولٍ، والمعتمد أنّها تجبر‏.‏

د - بكر غير مجبرةٍ، افتيت عليها، زوّجها وليّها غير المجبر - وهو غير الأب ووصيّه - بغير إذنها، ثمّ أنهى إليها الخبر فرضيت‏.‏

هـ - بكر أريد تزويجها لذي عيبٍ موجبٍ لخيارها، كجنونٍ وجذامٍ وبرصٍ‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

اشتراط الوليّ وعدمه‏:‏

7 - البكر إن كانت صغيرةً فالإجماع على أنّها لا تزوّج نفسها، بل يزوّجها وليّها‏.‏ وأمّا إن كانت كبيرةً، فجمهور الفقهاء من السّلف والخلف على أنّها لا تزوّج نفسها، وإنّما يزوّجها وليّها، وعند المالكيّة‏:‏ ولو كانت عانساً بلغت السّتّين في مشهور المذهب‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّه ليس لوليّها حقّ إجبارها، ولها أن تزوّج نفسها، فإن زوّجت نفسها بغير كفءٍ، أو بدون مهر المثل، فلوليّها حقّ طلب الفسخ ما لم تحمل‏.‏ وروي عن أبي يوسف أنّ نكاح الحرّة البالغة العاقلة إذا كانت بكراً لا ينعقد إلاّ بوليٍّ، وعن محمّدٍ ينعقد موقوفاً‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

متى يرتفع الإجبار مع وجود البكارة‏:‏

8 - أ - يرى المالكيّة أنّ الأب لا يجبر بكراً رشّدها - إن بلغت - بأن قال لها‏:‏ رشّدتك، أو أطلقت يدك، أو رفعت الحجر عنك، أو نحو ذلك‏.‏ وثبت ترشيدها بإقراره، أو ببيّنةٍ إن أنكر، وحيث كانت لا تجبر فلا بدّ من نطقها وإذنها، وهو المعروف في المذهب، وقال ابن عبد البرّ‏:‏ له جبرها‏.‏

ب - إذا عضل والد البكر المجبرة، ومنعها من نكاح من ترغب فيه، ورفعت أمرها للقضاء، وثبت كفاءة من ترغب في زواجه يأمره الحاكم بتزويجها، فإن امتنع ارتفع إجباره، وزوّجها الحاكم، ولا بدّ من نطقها برضاها بالزّوج وبالصّداق‏.‏ ولا يختلف مذهب الشّافعيّة والحنابلة عن هذا إلاّ في بعض التّفصيلات، كتكرار امتناع الوليّ العاضل مراراً‏.‏

ج - والبكر اليتيمة الصّغيرة إذا خيف فسادها، يجبرها وليّها على التّزويج، وتجب مشاورة القاضي على المعتمد عند المالكيّة‏.‏ ولا خصوصيّة لهذا الحالة عند الحنفيّة، لأنّ مطلق الصّغيرة - بكراً كانت أو ثيّباً - لوليّها إجبارها على النّكاح، ثمّ إذا بلغت وكان الوليّ المجبر غير الأب أو الجدّ ثبت لها خيار البلوغ‏.‏ وذهب الحنابلة - في روايةٍ - إلى أنّ الوليّ المجبر هو الأب فقط، ولا يزوّج الصّغيرة غيره ولو كان جدّاً‏.‏ وفي المذهب رواية أخرى كمذهب الحنفيّة‏.‏ ويرى الشّافعيّة أنّ ولاية الإجبار في تزويج البكر هي للأب والجدّ وحدهما، دون بقيّة الأولياء‏.‏ فالبكر اليتيمة تنحصر ولاية إجبارها في الجدّ‏.‏

اشتراط الزّوج بكارة الزّوجة‏:‏

9 - ذهب الحنفيّة إلى أنّ الرّجل لو تزوّج امرأةً على أنّها بكر، فتبيّن بعد الدّخول أنّها ليست كذلك، لزمه كلّ المهر، لأنّ المهر شرع لمجرّد الاستمتاع دون البكارة، وحملاً لأمرها على الصّلاح، بأن زالت بوثبةٍ‏.‏ فإن كان قد تزوّجها بأزيد من مهر مثلها على أنّها بكر، فإذا هي غير بكرٍ، لا تجب الزّيادة، لأنّه قابل الزّيادة بما هو مرغوب فيه، وقد فات، فلا يجب ما قوبل به، ولا يثبت بتخلّف شرط البكارة فسخ العقد‏.‏ وعند المالكيّة‏:‏ إذا تزوّج الرّجل امرأةً ظانّاً أنّها بكر، ثمّ تبيّن أنّها ثيّب، ولا علم عند أبيها، فلا ردّ للزّوج بذلك، إلاّ أن يقول‏:‏ أتزوّجها بشرط أنّها ‏(‏عذراء‏)‏ وهي الّتي لم تزل بكارتها بمزيلٍ، فإذا وجدها ثيّباً فله ردّها، وسواء أعلم الوليّ أم لا، وسواء أكانت الثّيوبة بنكاحٍ أم لا‏.‏ وأمّا إذا شرط أنّها ‏(‏بكر‏)‏ فوجدها ثيّباً بغير وطء نكاحٍ، ولم يعلم الأب بذلك، ففيه تردّد، قيل‏:‏ يخيّر، وقيل‏:‏ لا، وهو الأصوب لوقوع اسم البكارة عليها، ولأنّ البكارة قد تزول بوثبةٍ ونحوها‏.‏ وإن علم الأب بثيوبتها بلا وطءٍ وكتم، فللزّوج الرّدّ على الأصحّ، وأحرى بوطءٍ‏.‏ ولو شرط البكارة ووجدها قد ثيبت بنكاحٍ، فله الرّدّ مطلقاً علم الأب أم لا‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ لو نكح امرأةً بشرط بكارتها، فتبيّن فوات الشّرط صحّ النّكاح في الأظهر، لأنّ المعقود عليه معيّن لا يتبدّل بخلف الصّفة المشروطة والقول الثّاني عندهم‏:‏ بطلانه، لأنّ النّكاح يعتمد الصّفات والأسماء دون التّعيين والمشاهدة، فيكون اختلاف الصّفّة فيه كاختلاف العين‏.‏ وورد عن الحنابلة‏:‏ إن شرط في التّزويج أن تكون بكراً فوجدها ثيّباً بالزّنى ملك الفسخ‏.‏ وإن شرط أن تكون بكراً فبانت ثيّباً، قال ابن قدامة‏:‏ عن أحمد كلام يحتمل أمرين‏:‏ أحدهما‏:‏ لا خيار له، لأنّ النّكاح لا يردّ فيه بعيبٍ سوى ثمانية عيوبٍ، فلا يردّ منه بمخالفة الشّرط‏.‏ والأمر الثّاني‏:‏ له الخيار نصّاً، لأنّه شرط وصفاً مرغوباً فيه، فبانت بخلافه‏.‏

البكارة الحكميّة، وأثرها في الإجبار ومعرفة إذنها‏:‏

10 - من زالت بكارتها بلا وطءٍ كوثبةٍ، أو أصبعٍ، أو حدة حيضٍ، ونحو ذلك، فهي بكر حقيقةً وحكماً، ولا أثر لزوال بكارتها بما ذكر ونحوه في الإجبار والاستئذان ومعرفة إذنها، لأنّها لم تمارس الرّجال بالوطء في محلّ البكارة، ولأنّ الزّائل في هذه المسائل العذرة، أي الجلدة الّتي على محلّ البكارة‏.‏ وهذا عند الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ والأصحّ للشّافعيّة، والثّاني لهؤلاء، ولأبي يوسف ومحمّدٍ‏:‏ أنّها كالثّيّب من حيث عدم الاكتفاء بسكوتها، لزوال العذرة، لأنّها ثيّب حقيقةً‏.‏ وقال الحنفيّة‏:‏ من زالت بكارتها بزنًى - إن لم يتكرّر، ولم تحدّ به - هي بكر حكماً‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نكاح‏)‏‏.‏

تعمّد إزالة العذرة بغير جماعٍ وأثر ذلك‏:‏

11 - اتّفق الحنفيّة، والحنابلة، والشّافعيّة في الأصحّ عندهم على أنّ الزّوج إذا تعمّد إزالة بكارة زوجته بغير جماعٍ، كأصبعٍ، لا شيء عليه‏.‏ ووجهه عند الحنفيّة‏:‏ أنّه لا فرق بين آلةٍ وآلةٍ في هذه الإزالة‏.‏ وورد في أحكام الصّغار في الجنايات‏:‏ أنّ الزّوج لو أزال عذرتها بالأصبع لا يضمن، ويعزّر، ومقتضاه أنّه مكروه فقط‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ إنّه أتلف ما يستحقّ إتلافه بالعقد، فلا يضمن بغيره‏.‏ وأمّا الشّافعيّة فقالوا‏:‏ إنّ الإزالة من استحقاق الزّوج‏.‏ والقول الثّاني لهم‏:‏ إن أزال بغير ذكرٍ فأرش‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ إذا أزال الزّوج بكارة زوجته بأصبعه تعمّداً، يلزمه حكومة عدلٍ ‏(‏أرش‏)‏ يقدّره القاضي، وإزالة البكارة بالأصبع حرام، ويؤدّب الزّوج عليه‏.‏ والتّفصيل يكون في مصطلح ‏(‏نكاح ودية‏)‏‏.‏

مقدار الصّداق بإزالة البكارة بالأصبع دون الجماع‏:‏

12 - يرى الحنفيّة أنّ الزّوج إذا أزال بكارة زوجته بغير جماعٍ، ثمّ طلّقها قبل المسيس، وجب لها جميع مهرها، إن كان مسمًّى ولم يقبض، وباقيه إن قبض بعضه، لأنّ إزالة البكارة بأصبعٍ ونحوه لا يكون إلاّ في خلوةٍ‏.‏ وقال المالكيّة‏:‏ لو فعل الزّوج ما ذكر لزمه أرش البكارة الّتي أزالها بأصبعه، مع نصف صداقها‏.‏ وقال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ يحكم لها بنصف صداقها، لمفهوم قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإن طلّقتموهنّ من قبل أن تمسّوهنّ وقد فرضتم لهنّ فريضةً فنصف ما فرضتم‏}‏ إذ المراد بالمسّ‏:‏ الجماع، ولا يستقرّ المهر باستمتاعٍ وإزالة بكارةٍ بلا آلةٍ، فإن طلّقها وجب لها الشّطر دون أرش البكارة، وعلّل الحنابلة زيادةً على الآية بأنّ هذه مطلّقة قبل المسيس والخلوة، فلم يكن لها سوى نصف الصّداق المسمّى، ولأنّه أتلف ما يستحقّ إتلافه بالعقد، فلا يضمنه بغيره‏.‏

ادّعاء البكارة، وأثر ذلك في الاستحلاف‏:‏

13 - يرى المالكيّة‏:‏ أنّ من تزوّج امرأةً ظانّاً أنّها بكر، وقال‏:‏ إنّي وجدتها ثيّباً، وقالت‏:‏ بل وجدني بكراً، فالقول قولها مع يمينها إن كانت رشيدةً، سواء ادّعت أنّها الآن بكر، أم ادّعى أنّها كانت بكراً، وهو أزال بكارتها على المشهور في المذهب، ولا يكشف عن حالها‏.‏ فإن لم تكن رشيدةً، وكانت لا تحسن التّصرّف، أو صغيرةً، يحلف أبوها، ولا ينظرها النّساء جبراً عليها، أو ابتداءً، وأمّا برضاها فينظرنها، فإن أتى الزّوج بامرأتين تشهدان له على ما هي مصدّقة فيه فإنّه يعمل بشهادتهما، وكذا المرأة الواحدة‏.‏ وحينئذٍ لا تصدّق الزّوجة، وظاهره ولو حصلت الشّهادة بعد حلفها على ما ادّعت، وإن كان الأب أو غيره من الأولياء عالماً بثيوبتها بلا وطءٍ من نكاحٍ، بل بوثبةٍ ونحوها، أو زنًى وكتم عن الزّوج، فللزّوج الرّدّ على الأصحّ إن كان قد شرط بكارتها، ويكون له الرّجوع بالصّداق على الأب، وعلى غيره إن تولّى العقد‏.‏ وأمّا إن كانت الثّيوبة من نكاحٍ فتردّ، وإن لم يعلم الأب‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نكاح، صداق، عيب‏)‏‏.‏ وقال الشّافعيّة‏:‏ تصدّق المرأة في دعوى بكارتها بلا يمينٍ، وكذا في ثيوبتها، إلاّ إذا ادّعت بعد العقد أنّها كانت ثيّباً قبله فلا بدّ من يمينها‏.‏ وقال الخطيب الشّربينيّ‏:‏ يصدّق الوليّ بيمينه هنا، لئلاّ يلزم بطلان العقد، ولا تسأل عن سبب زوال بكارتها‏.‏ ولو أقام الوليّ بيّنةً ببكارتها قبل العقد لإجبارها قبلت، ولو أقامت هي بيّنةً بعد العقد بزوال بكارتها قبل العقد لم يبطل العقد‏.‏ وقال الحنابلة‏:‏ من تزوّج امرأةً بشرط أنّها عذراء، فادّعى بعد دخوله بها أنّه وجدها ثيّباً، وأنكرت ذلك، لا يقبل قوله بعد وطئه في عدم بكارتها، لأنّ ذلك ممّا يخفى، فلا يقبل في قوله بمجرّد دعواه‏.‏ فإن شهدت امرأة عدل‏:‏ أنّها كانت ثيّباً قبل الدّخول قبل قولها ويثبت له الخيار، وإلاّ فلا‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏نكاح، صداق، شرط‏)‏

بلاغ

انظر‏:‏ تبليغ‏.‏

بلعوم

1 - البلعوم لغةً واصطلاحاً‏:‏

هو مجرى الطّعام والشّراب، وموضع الابتلاع من الحلق‏.‏ أحكام تتعلّق بالبلعوم‏:‏ البلعوم - باعتباره مجرى الطّعام والشّراب بين آخر الفم ‏(‏أي أقصاه، وهو اللّهاة‏)‏ والمعدة - تجري عليه أحكام، منها ما يتعلّق بما يفطر به الصّائم، ومنها ما يتعلّق بالتّذكية وقطع البلعوم فيها، ومنها ما يتعلّق بالجناية عليه والدّية فيه‏.‏

أ - ما يتعلّق بالصّوم ومفطراته‏:‏

2 - اتّفق الفقهاء على أنّ كلّ ما أدخل في البلعوم من طعامٍ أو شرابٍ أو دواءٍ في فترة الصّوم فإنّه يفطر في الجملة‏.‏ وفي ذلك تفصيلات تنظر في ‏(‏الصّوم‏)‏‏.‏ وإن استقاء وجاوز القيء البلعوم أفطر عند بعض الفقهاء‏.‏ وفي ذلك خلاف وتفصيل ينظر في ‏(‏الصّوم‏)‏ أيضاً‏.‏

ب - ما يتعلّق بالتّذكية‏:‏

3 - اتّفق الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة على ضرورة قطع البلعوم أثناء الذّبح، ضمن ما يقطع من عروقٍ في المذبوح معلومةٍ‏.‏ وهي الحلقوم وهو‏:‏ مجرى النّفس، والودجان وهما‏:‏ عرقان في جانبي العنق بينهما الحلقوم والمريء، ويتّصل بهما أكثر عروق البدن، ويتّصلان بالدّماغ‏.‏ هذا بالإضافة إلى المريء ‏(‏البلعوم‏)‏‏.‏ أمّا المالكيّة فلم يشترطوا قطعه، بل قالوا بقطع جميع الحلقوم، وقطع جميع الودجين‏.‏ وفيما يجزئ في الذّبح خلاف، مجمله فيما يلي‏:‏ ذهب الحنفيّة إلى أنّ الذّابح إن قطع جميعها حلّ الأكل، لوجود الذّكاة‏.‏ وكذلك إن قطع ثلاثة منها، أيّ ثلاثةٍ كانت‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا بدّ من قطع الحلقوم والمريء وأحد الودجين‏.‏ وقال محمّد‏:‏ إنّه يعتبر الأكثر من كلّ عرقٍ، وذكر القدوريّ قول محمّدٍ مع أبي يوسف، وحمل الكرخيّ قول أبي حنيفة ‏"‏ وإن قطع أكثرها حلّ ‏"‏ على ما قاله محمّد، والصّحيح أنّ قطع أيّ ثلاثةٍ منها يكفي‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ يستحبّ قطع الحلقوم والمريء والودجين، لأنّه أسرع وأروح للذّبيحة، فإن اقتصر على قطع الحلقوم والمريء أجزأه، لأنّ الحلقوم مجرى النّفس، والمريء مجرى الطّعام، والرّوح لا تبقى مع قطعهما‏.‏ وشرط المالكيّة قطع جميع الحلقوم، وهو القصبة الّتي يجري فيها النّفس، وقطع جميع الودجين، ولم يشترطوا قطع المريء‏.‏ أمّا الحنابلة فاشترطوا قطع الحلقوم والمريء، واكتفوا بقطع البعض منهما، ولم يشترطوا إبانتهما، لأنّه قطع في محلّ الذّبح ما لا تبقى الحياة معه، واشترطوا فري الودجين، وذكر ابن تيميّة وجهاً أنّه يكفي قطع ثلاثةٍ من الأربعة، وقال‏:‏ إنّه الأقوى، وسئل عمّن قطع الحلقوم والودجين لكن فوق الجوزة ‏؟‏ فقال‏:‏ هذا فيه نزاع، والصّحيح أنّها تحلّ‏.‏ والتّفصيل يرجع فيه إلى‏:‏ ‏(‏تذكية‏)‏‏.‏

ج - ما يتعلّق بالجناية‏:‏

4 - الفقهاء متّفقون على أنّ الجروح - فيما عدا الرّأس والوجه - تنقسم إلى جائفةٍ وغير جائفةٍ‏.‏ قال الشّافعيّة والحنابلة‏:‏ إنّ الجائفة هي الّتي تصل إلى الجوف من البطن أو الظّهر أو الورك أو الثّغر ‏(‏ثغرة النّحر‏)‏ أو الحلق أو المثانة، وقال الحنفيّة‏:‏ إنّ ما وصل من الرّقبة إلى الموضع الّذي لو وصل إليه من الشّراب قطرة لأفطر يكون جائفةً، لأنّه لا يفطر إلاّ إذا كان وصل إلى الجوف‏.‏ وفي الجائفة ثلث الدّية، فإن نفذت فهي جائفتان قال عليه الصلاة والسلام ‏{‏في الجائفة ثلث الدّية‏}‏ وعن أبي بكرٍ رضي الله عنه أنّه حكم في جائفةٍ نفذت بثلث الدّية لأنّها إن نفذت فهي جائفتان، وهذا عند الحنفيّة والشّافعيّة والحنابلة‏.‏ أمّا المالكيّة فقد قالوا‏:‏ إنّ الجائفة مختصّة بالبطن والظّهر، وفيها ثلث من الدّية المخمّسة، فإن نفذت فهي جائفتان‏.‏ والتّفصيل في ‏(‏الجنايات، والدّيات‏)‏‏.‏

بلغم

انظر‏:‏ نخامة‏.‏

بلوغ

التّعريف

1 - البلوغ لغةً‏:‏ الوصول، يقال بلغ الشّيء يبلغ بلوغاً وبلاغاً‏:‏ وصل وانتهى، وبلغ الصّبيّ‏:‏ احتلم وأدرك وقت التّكليف، وكذلك بلغت الفتاة‏.‏ واصطلاحاً‏:‏ انتهاء حدّ الصّغر في الإنسان، ليكون أهلاً للتّكاليف الشّرعيّة‏.‏ أو هو‏:‏ قوّة تحدث في الصّبيّ، يخرج بها عن حالة الطّفوليّة إلى غيرها‏.‏

الألفاظ ذات الصّلة

أ - الكبر‏:‏

2 - الكبر والصّغر معنيان إضافيّان، فقد يكون الشّيء كبيراً بالنّسبة لآخر، صغيراً لغيره، ولكنّ الفقهاء يطلقون الكبر في السّنّ على معنيين‏.‏ الأوّل‏:‏ أن يبلغ الإنسان مبلغ الشّيخوخة والضّعف بعد تجاوزه مرحلة الكهولة‏.‏ الثّاني‏:‏ أن يراد به الخروج عن حدّ الصّغر بدخول مرحلة الشّباب، فيكون بمعنى البلوغ المصطلح عليه‏.‏

ب - الإدراك‏:‏

3 - الإدراك‏:‏ لغةً مصدر أدرك، وأدرك الصّبيّ والفتاة‏:‏ إذا بلغا‏.‏ ويطلق الإدراك في اللّغة ويراد به‏:‏ اللّحاق، يقال‏:‏ مشيت حتّى أدركته‏.‏ ويراد به أيضاً‏:‏ البلوغ في الحيوان والثّمر‏.‏ كما يستعمل في الرّؤية فيقال‏:‏ أدركته ببصري‏:‏ أي رأيته‏.‏ وقد استعمل الفقهاء الإدراك بمعنى‏:‏ بلوغ الحلم، فيكون مساوياً للفظ البلوغ بهذا الإطلاق، ويطلق بعض الفقهاء الإدراك ويريدون به أوان النّضج‏.‏

ج الحلم والاحتلام‏:‏

4 - الاحتلام‏:‏ مصدر احتلم، والحلم‏:‏ اسم المصدر‏.‏ وهو لغةً‏:‏ رؤيا النّائم مطلقاً، خيراً كان المرئيّ أو شرّاً‏.‏ وفرّق الشّارع بينهما، فخصّ الرّؤيا بالخير، وخصّ الحلم بضدّه‏.‏ ثمّ استعمل الاحتلام والحلم بمعنًى أخصّ من ذلك، وهو‏:‏ أن يرى النّائم أنّه يجامع، سواء أكان مع ذلك إنزال أم لا ثمّ استعمل هذا اللّفظ بمعنى البلوغ، وعلى هذا يكون الحلم والاحتلام والبلوغ بهذا المعنى ألفاظاً مترادفةً‏.‏

د - المراهقة‏:‏

5 - المراهقة‏:‏ مقاربة البلوغ، وراهق الغلام والفتاة مراهقةً‏:‏ قاربا البلوغ، ولم يبلغا، ولا يخرج المعنى الاصطلاحيّ عن المعنى اللّغويّ‏.‏ وبهذا تكون المراهقة والبلوغ لفظين متباينين‏.‏

هـ - الأشدّ‏:‏

6 - الأشدّ لغةً‏:‏ بلوغ الرّجل الحنكة والمعرفة‏.‏ والأشدّ‏:‏ طور يبتدئ بعد انتهاء حدّ الصّغر، أي من وقت بلوغ الإنسان مبلغ الرّجال إلى سنّ الأربعين، وقد يطلق الأشدّ على الإدراك والبلوغ‏.‏ وقيل‏:‏ أن يؤنس منه الرّشد مع أن يكون بالغاً‏.‏ فالأشدّ مساوٍ للبلوغ في بعض إطلاقاته‏.‏ الرّشد‏:‏

7 - الرّشد لغةً‏:‏ خلاف الضّلال‏.‏ والرّشد، والرّشد، والرّشاد‏:‏ نقيض الضّلال، وهو‏:‏ إصابة وجه الأمر والاهتداء إلى الطّريق‏.‏ والرّشد في اصطلاح الفقهاء‏:‏ الصّلاح في المال لا غير عند أكثر العلماء، منهم‏:‏ أبو حنيفة ومالك وأحمد‏.‏ وقال الحسن والشّافعيّ وابن المنذر‏:‏ الصّلاح في الدّين والمال‏.‏ والتّفصيل في مصطلح ‏(‏رشد‏)‏ ‏(‏والولاية على المال‏)‏‏.‏ وليس للرّشد سنّ معيّنة، وقد يحصل قبل البلوغ، وهذا نادر لا حكم له، وقد يحصل مع البلوغ أو بعده، وفي استعمال الفقهاء‏:‏ كلّ رشيدٍ بالغ، وليس كلّ بالغٍ رشيداً‏.‏ علامات البلوغ الطّبيعيّة في الذّكر، والأنثى، والخنثى‏:‏

8 - للبلوغ علامات طبيعيّة ظاهرة، منها ما هو مشترك بين الذّكر والأنثى، ومنها ما يختصّ بأحدهما‏.‏ وفيما يلي بيان العلامات المشتركة‏:‏ الاحتلام‏:‏

9 - الاحتلام‏:‏ خروج المنيّ من الرّجل أو المرأة في يقظةٍ أو منامٍ لوقت إمكانه‏.‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا‏}‏ ولحديث‏:‏ ‏{‏خذ من كلّ حالمٍ ديناراً‏}‏‏.‏ الإنبات‏:‏

10 - الإنبات‏:‏ ظهور شعر العانة، وهو الّذي يحتاج في إزالته إلى نحو حلقٍ، دون الزّغب الضّعيف الّذي ينبت للصّغير‏.‏ ونجد في كلام بعض المالكيّة والحنابلة‏:‏ أنّ الإنبات إذا جلب واستعمل بوسائل صناعيّةٍ من الأدوية ونحوها فإنّه لا يكون مثبتاً للبلوغ، قالوا‏:‏ لأنّه قد يستعجل الإنبات بالدّواء ونحوه لتحصيل الولايات والحقوق الّتي للبالغين‏.‏ وقد اختلف الفقهاء في اعتبار الإنبات علامةً على البلوغ، على أقوالٍ ثلاثةٍ‏:‏

11 - الأوّل‏:‏ أنّ الإنبات ليس بعلامةٍ على البلوغ مطلقاً‏.‏ أي لا في حقّ اللّه ولا في حقّ العباد‏.‏ وهو قول أبي حنيفة، ورواية عن مالكٍ على ما في باب القذف من المدوّنة، ونحوه لابن القاسم في باب القطع في السّرقة، قال الدّسوقيّ‏:‏ وظاهره لا فرق بين حقّ اللّه وحقّ الآدميّين‏.‏

12 - الثّاني‏:‏ أنّ الإنبات علامة البلوغ مطلقاً‏.‏ وهو مذهب المالكيّة والحنابلة، ورواية عن أبي يوسف ذكرها ابن عابدين وصاحب الجوهرة، إلاّ أنّ ابن حجرٍ نقل أنّ مالكاً لا يقيم الحدّ على من لم يثبت بلوغه بغير الإنبات، لأنّ الشّبهة فيه تمنع من إقامة الحدّ، واحتجّ أصحاب هذا القول بحديثٍ نبويٍّ، وآثارٍ عن الصّحابة‏.‏ فأمّا الحديث‏:‏ فما ورد أنّ ‏{‏النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمّا حكّم سعد بن معاذٍ في بني قريظة، فحكم بقتل مقاتلتهم وسبي ذراريّهم، وأمر أن يكشف عن مؤتزرهم، فمن أنبت فهو من المقاتلة، ومن لم ينبت فهو من الذّرّيّة‏.‏ بلغ ذلك النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقال‏:‏ لقد حكمت فيهم بحكم اللّه من فوق سبعة أرقعةٍ‏}‏ ومن هنا قال عطيّة بن كعبٍ القرظيّ‏:‏ كنت معهم يوم قريظة‏.‏ فأمر أن ينظر إليّ هل أنبتّ، فكشفوا عانتي، فوجدوها لم تنبت، فجعلوني في السّبي‏.‏ وأمّا ما ورد عن الصّحابة، فمنه أنّ عمر رضي الله عنه كتب إلى عامله أن لا يقتل إلاّ من جرت عليه المواسي، ولا يأخذ الجزية إلاّ ممّن جرت عليه المواسي وأنّ غلاماً من الأنصار شبّب بامرأةٍ في شعره، فرفع إلى عمر فلم يجده أنبت فقال‏:‏ لو أنبتّ الشّعر لحددتك‏.‏

13 - القول الثّالث‏:‏ أنّ الإنبات بلوغ في بعض الصّور دون بعضٍ‏.‏ وهو قول الشّافعيّة، وبعض المالكيّة‏.‏ فيرى الشّافعيّة أنّ الإنبات يقتضي الحكم ببلوغ ولد الكافر، ومن جهل إسلامه، دون المسلم والمسلمة‏.‏ وهو عندهم أمارة على البلوغ بالسّنّ أو بالإنزال، وليس بلوغاً حقيقةً‏.‏ قالوا‏:‏ ولهذا لو لم يحتلم، وشهد عدلان بأنّ عمره دون خمسة عشرة سنةً، لم يحكم ببلوغه بالإنبات‏.‏ وإنّما فرّقوا بينه وبين المسلم في ذلك لسهولة مراجعة آباء المسلم وأقاربه من المسلمين، ولأنّ الصّبيّ المسلم متّهم في الإنبات، فربّما تعجّله بدواءٍ دفعاً للحجر عن نفسه وتشوّفاً للولايات، بخلاف الكافر فإنّه لا يستعجله‏.‏

14 - ويرى بعض المالكيّة أنّ الإنبات يقبل علامةً في أعمّ ممّا ذهب إليه الشّافعيّة، فقد قال ابن رشدٍ‏:‏ إنّ الإنبات علامة فيما بين الشّخص وبين غيره من الآدميّين من قذفٍ وقطعٍ وقتلٍ‏.‏ وأمّا فيما بين الشّخص وبين اللّه تعالى فلا خلاف - يعني عند المالكيّة - أنّه ليس بعلامةٍ‏.‏ وبنى بعض المالكيّة على هذا القول أنّه ليس على من أنبت، ولم يحتلم إثم في ترك الواجبات وارتكاب المحرّمات، ولا يلزمه في الباطن عتق ولا حدّ، وإن كان الحاكم يلزمه ذلك، لأنّه ينظر فيه ويحكم بما ظهر له والحجّة للطّرفين الحديث المتقدّم ذكره الوارد في شأن بني قريظة‏.‏ أمّا الشّافعيّة فقد قصروا حكمه على مخرجه، فإنّ بني قريظة كانوا كفّاراً، وابن رشدٍ ومن معه من المالكيّة جعلوه فيما هو أعمّ من ذلك، أي في الأحكام الظّاهرة، بنوعٍ من القياس‏.‏

ما تختصّ به الأنثى من علامات البلوغ‏:‏

15 - تزيد الأنثى وتختصّ بعلامتين‏:‏ هما الحيض، إذ هو علم على بلوغها لحديث‏:‏ ‏{‏لا يقبل اللّه صلاة حائضٍ إلاّ بخمارٍ‏}‏‏.‏ وخصّ المالكيّة الحيض بالّذي لم يتسبّب في جلبه، وإلاّ فلا يكون علامةً‏.‏ والحمل علامة على بلوغ الأنثى، لأنّ اللّه تعالى أجرى العادة أنّ الولد يخلق من ماء الرّجال وماء المرأة‏.‏ قال تعالى‏:‏ ‏{‏فلينظر الإنسان ممّ خلق خلق من ماءٍ دافقٍ يخرج من بين الصّلب والتّرائب‏}‏ فإذا وجد واحد من العلامات السّابقة حكم بالبلوغ على الوجه المتقدّم، وإن لم يوجد كان البلوغ بالسّنّ على النّحو المبيّن في مواطنه من البحث‏.‏

16 - واعتبر المالكيّة من علامات البلوغ في الذّكر والأنثى - زيادةً على ما تقدّم - نتن الإبط، وفرق الأرنبة، وغلظ الصّوت‏.‏ واعتبر الشّافعيّة أيضاً من علامات البلوغ في الذّكر - زيادةً على ما سبق - نبات الشّعر الخشن للشّارب، وثقل الصّوت، ونتوء طرف الحلقوم، ونحو ذلك‏.‏ وفي الأنثى نهود الثّدي‏.‏

علامات البلوغ الطّبيعيّة لدى الخنثى‏:‏

17 - الخنثى إن كان غير مشكلٍ، وألحق بالذّكور أو الإناث، فعلامة بلوغه بحسب النّوع الّذي ألحق به‏.‏ أمّا الخنثى المشكل فعلامات البلوغ الطّبيعيّة لديه كعلامات البلوغ لدى الذّكور أو الإناث، فيحكم ببلوغه بالإنزال أو الإنبات أو غيرهما من العلامات المشتركة أو الخاصّة، على التّفصيل المتقدّم، وهذا قول المالكيّة والحنابلة، وهو قول بعض الشّافعيّة‏.‏ أمّا القول الثّاني، وهو المعتمد عند الشّافعيّة‏:‏ أنّه لا بدّ من وجود العلامة في الفرجين جميعاً، فلو أمنى الخنثى من ذكره، وحاضت من فرجها، أو أمنى منهما جميعاً حكم ببلوغه، أمّا لو أمنى من ذكره فقط، أو حاضت من فرجها فقط فلا يحكم بالبلوغ‏.‏

18 - واستدلّ ابن قدامة من الحنابلة على الاكتفاء بأيّ العلامتين تظهر أوّلاً، بأنّ خروج منيّ الرّجل من المرأة مستحيل، وخروج الحيض من الرّجل مستحيل، فكان خروج أيٍّ منهما دليلاً على تعيين كون الخنثى أنثى أو ذكراً، فإذا ثبت التّعيين لزم كونه دليلاً على البلوغ، كما لو تعيّن قبل خروجه، ولأنّه منيّ خارج من ذكرٍ، أو حيض خارج من فرجٍ، فكان علماً على البلوغ، كالمنيّ الخارج من الغلام، والحيض الخارج من الجارية‏.‏ قال‏:‏ ولأنّهم سلّموا أنّ خروجهما معاً دليل البلوغ، فخروج أحدهما أولى، لأنّ خروجهما معاً يقتضي تعارضهما وإسقاط دلالتهما، إذ لا يتصوّر حيض صحيح ومنيّ رجلٍ‏.‏ فيلزم أن يكون أحدهما فضلةً خارجةً من غير محلّها، وليس أحدهما أولى بذلك من الآخر، فتبطل دلالتهما، كالبيّنتين إذا تعارضتا، أمّا إن وجد الخروج من أحدهما من غير معارضٍ، وجب أن يثبت حكمه، ويقضى بثبوت دلالته‏.‏

19 - وأمّا الحنفيّة فلم نجد - في ما اطّلعنا عليه - من كلامهم تعرّضاً صريحاً لهذه المسألة، ولكن يبدو أنّ قول الحنفيّة كقول المالكيّة والحنابلة، لظاهر ما في شرح الأشباه من قوله في باب أحكام الخنثى‏:‏ إذا كان الخنثى بالغاً، بأن بلغ بالسّنّ، ولم يظهر شيء من علامات الرّجال أو النّساء، لا تجزيه الصّلاة بغير قناعٍ، لأنّ الرّأس من الحرّة عورة‏.‏

البلوغ بالسّنّ‏:‏

20 - جعل الشّارع البلوغ أمارةً على أوّل كمال العقل، لأنّ الاطّلاع على أوّل كمال العقل متعذّر، فأقيم البلوغ مقامه‏.‏ والبلوغ بالسّنّ‏:‏ يكون عند عدم وجود علامةٍ من علامات البلوغ قبل ذلك، واختلف الفقهاء في سنّ البلوغ‏.‏ فيرى الشّافعيّة، والحنابلة، وأبو يوسف ومحمّد من الحنفيّة‏:‏ أنّ البلوغ بالسّنّ يكون بتمام خمس عشرة سنةً قمريّةً للذّكر والأنثى، كما صرّح الشّافعيّة بأنّها تحديديّة، لخبر ابن عمر ‏{‏عرضت على النّبيّ صلى الله عليه وسلم يوم أحدٍ، وأنا ابن أربع عشرة سنةً فلم يجزني، ولم يرني بلغت، وعرضت عليه يوم الخندق وأنا ابن خمس عشرة سنةً فأجازني، ورآني بلغت‏}‏‏.‏ قال الشّافعيّ‏:‏ ردّ النّبيّ صلى الله عليه وسلم سبعة عشر من الصّحابة، وهم أبناء أربع عشرة سنةً، لأنّه لم يرهم بلغوا، ثمّ عرضوا عليه وهم من أبناء خمس عشرة فأجازهم، منهم‏:‏ زيد بن ثابتٍ ورافع بن خديجٍ وابن عمر‏.‏ ويرى المالكيّة أنّ البلوغ يكون بتمام ثماني عشرة سنةً، وقيل بالدّخول فيها، وقد أورد الحطّاب خمسة أقوالٍ في المذهب، ففي روايةٍ‏:‏ ثمانية عشر، وقيل‏:‏ سبعة عشر، وزاد بعض شرّاح الرّسالة‏:‏ ستّة عشرة، وتسعة عشر، وروي عن ابن وهبٍ خمسة عشر، لحديث ابن عمر السّابق‏.‏ ويرى أبو حنيفة‏:‏ أنّ البلوغ بالسّنّ للغلام هو بلوغه ثماني عشرة سنةً، والجارية سبع عشرة سنةً لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏ولا تقربوا مال اليتيم إلاّ بالّتي هي أحسن حتّى يبلغ أشدّه‏}‏ قال ابن عبّاسٍ رضي الله عنه‏:‏ الأشدّ ثماني عشرة سنةً‏.‏ وهي أقلّ ما قيل فيه، فأخذ به احتياطاً، هذا أشدّ الصّبيّ، والأنثى أسرع بلوغاً فنقصت سنةً‏.‏

السّنّ الأدنى للبلوغ الّذي لا تصحّ دعوى البلوغ قبله‏:‏

21 - السّنّ الأدنى للبلوغ في الذّكر‏:‏ عند المالكيّة والشّافعيّة باستكمال تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام، وفي وجهٍ آخر للشّافعيّة‏:‏ مضيّ نصف التّاسعة، ذكره النّوويّ في شرح المهذّب‏.‏ وعند الحنفيّة‏:‏ اثنتا عشرة سنةً‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ عشر سنين‏.‏ ويقبل إقرار الوليّ بأنّ الصّبيّ بلغ بالاحتلام، إذا بلغ عشر سنين‏.‏ والسّنّ الأدنى للبلوغ في الأنثى‏:‏ تسع سنين قمريّةٍ عند الحنفيّة، والشّافعيّة على الأظهر عندهم، وكذا الحنابلة لأنّه أقلّ سنٍّ تحيض له المرأة، ولحديث‏:‏ ‏{‏إذا بلغت الجارية تسع سنين فهي امرأة‏}‏ والمراد حكمها حكم المرأة، وفي روايةٍ للشّافعيّة‏:‏ نصف التّاسعة، وقيل‏:‏ الدّخول في التّاسعة، ولأنّ هذا أقلّ سنٍّ لحيض الفتاة‏.‏ والسّنّ الأدنى للبلوغ في الخنثى‏:‏ تسع سنين قمريّةٍ بالتّمام، وقيل نصف التّاسعة، وقيل‏:‏ الدّخول فيها‏.‏

إثبات البلوغ‏:‏

يثبت البلوغ بالطّرق الآتية‏:‏

الطّريق الأولى‏:‏ الإقرار‏:‏

22 - تتّفق كلمة الفقهاء في المذاهب الأربعة على أنّ الصّغير إذا كان مراهقاً، وأقرّ بالبلوغ بشيءٍ من العلامات الطّبيعيّة الّتي تخفى عادةً، كالإنزال والاحتلام والحيض، يصحّ إقراره، وتثبت له أحكام البالغ فيما له وما عليه‏.‏ قال المالكيّة‏:‏ يقبل قوله في البلوغ نفياً وإثباتاً، طالباً أو مطلوباً‏.‏ فالطّالب كمن ادّعى البلوغ ليأخذ سهمه في الغنيمة، أو ليؤمّ النّاس، أو ليكمل العدد في صلاة الجمعة‏.‏ والمطلوب كجانٍ ادّعى عدم البلوغ ليدرأ عن نفسه الحدّ أو القصاص أو الغرامة في إتلاف الوديعة، وكمطلّقٍ ادّعى عدم البلوغ عند الطّلاق، لئلاّ يقع عليه الطّلاق‏.‏ ويشترط لقبول قوله أن يكون قد جاوز السّنّ الأدنى للبلوغ، بل لا تقبل البيّنة ببلوغه قبل ذلك‏.‏ فعند الحنفيّة‏:‏ لا يقبل إقرار الصّبيّ قبل تمام اثني عشر عاماً، وعند الحنابلة لا يقبل إقراره بذلك قبل تمام العاشرة، وعند كليهما‏:‏ لا يقبل إقرار الصّبيّة به قبل تمام التّاسعة، ووجه صحّة الإقرار بالبلوغ‏:‏ أنّه معنًى لا يعرف إلاّ من قبل الشّخص نفسه، وفي تكليف الاطّلاع عليه عسر شديد، ولا يكلّف البيّنة على ذلك‏.‏ ولا يحلف أيضاً حتّى عند الخصومة، فإن لم يكن في الحقيقة بالغاً فلا قيمة ليمينه، لعدم الاعتداد بيمين الصّغير، وإن كان بالغاً فيمينه تحصيل حاصلٍ، وقد استثنى الشّافعيّة بعض الصّور يحلف فيها احتياطاً، لكنّه يزاحم غيره في الحقوق، كما لو طلب في الغنيمة سهم مقاتلٍ

23 - واشترط الفقهاء في المذاهب الأربعة لصحّة إقراره بذلك‏:‏ أن لا يكون بحالٍ مريبةٍ، أو كما عبّر الشّافعيّ رحمه الله‏:‏ يقبل إن أشبه، فإن لم يشبه لم يقبل، ولو صدّقه أبوه‏.‏ وعبّر الحنفيّة بقولهم إن لم يكذّبه الظّاهر، بل يكون بحالٍ يحتلم مثله‏.‏ والمراد أن يكون حال جسمه عند الإقرار حال البالغين، ولا يشكّ في صدقه‏.‏ هكذا أطلق فقهاء المذاهب - ما عدا المالكيّة - قبول قوله، وفصّل المالكيّة فقالوا‏:‏ إن ارتيب فيه يصدّق فيما يتعلّق بالجناية والطّلاق، فلا يحدّ للشّبهة، ولا يقع عليه الطّلاق استصحاباً لأصل الصّغر، ولا يصدّق فيما يتعلّق بالمال، فلو أقرّ بإتلاف الوديعة، وأنّه بالغ، فقال أبوه‏:‏ إنّه غير بالغٍ، فلا ضمان‏.‏ وقد تعرّض بعض المالكيّة لقبول قول المراهقين في البلوغ إن ادّعياه بالإنبات‏.‏ والفرق بين الإنبات وبين غيره من العلامات الطّبيعيّة الّتي ذكرت سابقاً‏:‏ أنّه يسهل الاطّلاع عليه‏.‏ وقد أمر النّبيّ صلى الله عليه وسلم بالكشف عمّن شكّ في بلوغه من غلمان بني قريظة‏.‏ إلاّ أنّ كون العورة في الأصل يحرم كشفها، دعا إلى قول الفقهاء إنّه يقبل قول الشّخص المشكوك فيه في نباتها وعدمه، إلاّ أنّ ابن العربيّ المالكيّ خالف في ذلك وقال‏:‏ إنّه ينبغي أن ينظر إليها، ولكن لا ينظر مباشرةً بل من خلال المرآة‏.‏ وردّ كلامه ابن القطّان من المالكيّة وقال‏:‏ لا ينظر إليها مباشرةً، ولا من خلال المرآة، ويقبل كلامه إن ادّعى البلوغ بالإنبات‏.‏

البلوغ شرط للزوم الأحكام الشّرعيّة عند الفقهاء‏:‏

24 - ذهب الفقهاء إلى أنّ الشّارع ربط التّكليف بالواجبات والمحرّمات ولزوم آثار الأحكام في الجملة بشرط البلوغ، واستدلّوا على ذلك بأدلّةٍ منها‏:‏

أ - قول اللّه تعالى‏:‏ ‏{‏وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا كما استأذن الّذين من قبلهم‏}‏ جعل البلوغ موجباً للاستئذان‏.‏

ب - ومنها قوله تعالى‏:‏ ‏{‏وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم‏}‏ جعل بلوغ النّكاح موجباً لارتفاع الولاية الماليّة عن اليتيم، بشرط كونه راشداً‏.‏

ج - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم لمعاذٍ لمّا أرسله إلى اليمن‏:‏ ‏{‏خذ من كلّ حالمٍ ديناراً أو عدله معافريّاً‏}‏ جعل الاحتلام موجباً للجزية‏.‏

د - ومنها ما حصل يوم قريظة، من أنّ من اشتبهوا في بلوغه من الأسرى كان إذا أنبت قتل، فإن لم يكن أنبت لم يقتل‏.‏ فجعل الإنبات علامةً لجواز قتل الأسير‏.‏

هـ - ومنها قول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏لا يقبل اللّه صلاة حائضٍ إلاّ بخمارٍ‏}‏ فجعل الحيض من المرأة موجباً لفساد صلاتها، إن صلّت بغير خمارٍ‏.‏

و - ومنها حديث‏:‏ ‏{‏غسل يوم الجمعة واجب على كلّ محتلمٍ‏}‏ بوّب عليه البخاريّ ‏"‏ باب بلوغ الصّبيان وشهادتهم ‏"‏ قال ابن حجرٍ‏:‏ ويستفاد مقصود التّرجمة - يعني شهادة الصّبيان - بالقياس على بقيّة الأحكام من حيث تعلّق الوجوب بالاحتلام‏.‏

ز - ومنها حديث‏:‏ ‏{‏رفع القلم عن ثلاثةٍ‏:‏ عن الصّغير حتّى يكبر‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ جعل الخروج عن حدّ الصّغير موجباً لكتابة الإثم، على من فعل ما يوجبه‏.‏ فهذه الأدلّة وأمثالها - ممّا يأتي في شأن علامات البلوغ - تدلّ على أنّ الشّارع ربط التّكليف ولزوم الأحكام عامّةً بشرط البلوغ، فمن اعتبر بالغاً بأيّ علامةٍ من علامات البلوغ فهو رجل تامّ أو امرأة تامّة، مكلّف - إن كان عاقلاً - كغيره من الرّجال والنّساء، يلزمه ما يلزمهم، وحقّ له ما يحقّ لهم‏.‏ وقد نقل بعضهم الإجماع على ذلك، فقال ابن المنذر‏:‏ وأجمعوا على أنّ الفرائض والأحكام تجب على المحتلم العاقل‏.‏ وقال ابن حجرٍ‏:‏ أجمع العلماء على أنّ الاحتلام في الرّجال والنّساء يلزم به العبادات والحدود وسائر الأحكام‏.‏

ما يشترط له البلوغ من الأحكام‏:‏

أ - ما يشترط لوجوبه البلوغ‏:‏

25 - التّكليف بالفرائض والواجبات وترك المحرّمات يشترط له البلوغ، ولا تجب على غير البالغ لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏رفع القلم عن ثلاثةٍ‏:‏ عن الصّغير حتّى يكبر‏.‏‏.‏‏.‏‏}‏ الحديث، وذلك كالصّلاة والصّوم والحجّ على أنّ في الزّكاة خلافاً‏.‏ ومع هذا ينبغي لوليّ الصّغير أن يجنّبه المحرّمات، وأن يأمره بالصّلاة ونحوها ليعتادها، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏مروا أبناءكم بالصّلاة لسبعٍ، واضربوهم عليها لعشرٍ، وفرّقوا بينهم في المضاجع‏}‏‏.‏ ومع هذا إذا أدّاها الصّغير، أو فعل المستحبّات تصحّ منه، ويؤجر عليها‏.‏ ولا يجب القصاص والحدود، كحدّ السّرقة وحدّ القذف ولكن يجوز أن يؤدّب‏.‏

ب - ما يشترط لصحّته البلوغ‏:‏

26 - البلوغ شرط صحّةٍ في كلّ ما يشترط له تمام الأهليّة، ومن ذلك‏:‏ الولايات كلّها، كالإمارة والقضاء والولاية على النّفس والشّهادة في الجملة‏.‏ ومن ذلك التّصرّفات المتمحّضة للضّرر كالهبة والعاريّة والوقف والكفالة‏.‏ ومن ذلك أيضاً‏:‏ الطّلاق، وما في معناه كالظّهار والإيلاء والخلع والعتق، وكذلك النّذر‏.‏ وينظر تفصيل كلّ ذلك في موطنه، وفي مصطلح ‏(‏صغر‏)‏‏.‏

ما يثبت بطروء البلوغ من الأحكام‏:‏

27 - من الصّعوبة بمكانٍ حصر جميع الأحكام الّتي تثبت بمجرّد طروء البلوغ، وفيما يلي بعض الأمثلة للأحكام الّتي تثبت بمجرّد أن يحتلم الصّبيّ أو الصّبيّة، أو يريا أيّة علامةٍ من علامات البلوغ‏:‏ أوّلاً في باب الطّهارة‏:‏ إعادة التّيمّم‏:‏

28 - عند الشّافعيّة والحنابلة إذا تيمّم، وهو غير بالغٍ، ثمّ بلغ بما لا ينقض الطّهارة كالسّنّ، لزمه أن يعيد التّيمّم إن أراد أن يصلّي الفرض، لأنّ تيمّمه قبل بلوغه كان لنافلةٍ، إذ أنّه لو تيمّم للظّهر مثلاً فقد كانت في حقّه نافلةً، فلا يستبيح به الفرض، وهذا بخلاف من توضّأ أو اغتسل ثمّ بلغ، لا يلزمه إعادتهما، لأنّ الوضوء والغسل للنّافلة يرفعان الحدث من أصله‏.‏ أمّا التّيمّم فهو مبيح وليس رافعاً، والمشهور من مذهب المالكيّة كذلك‏:‏ أنّه مبيح لا رافع‏.‏ أمّا مذهب الحنفيّة، وهو قول عند المالكيّة فهو أنّ التّيمّم رافع للحدث إلى وقت وجود الماء مع القدرة على استعماله، وهذا يقتضي أن ليس على الصّبيّ إذا تيمّم، ثمّ بلغ إعادة التّيمّم‏.‏

ثانياً - في باب الصّلاة‏:‏

29 - تجب على الصّبيّ أو الصّبيّة الصّلاة الّتي بلغ في وقتها إن لم يكن قد صلّاها إجماعاً، حتّى المالكيّة - الّذين قالوا‏:‏ يحرم تأخير الصّلاة إلى الوقت الضّروريّ، أي للعصر في الجزء الآخر من وقتها، والصّبح كذلك - قالوا‏:‏ لو بلغ في الوقت الضّروريّ فعليه أن يصلّيها، ولا حرمة عليه‏.‏

30 - ولو أنّه صلّى صلاة الوقت، ثمّ بلغ قبل خروج وقتها، لزمه إعادتها، وذلك لأنّ الصّلاة الّتي صلّاها قبل البلوغ نفل في حقّه، لعدم وجوبها عليه، فلم تجزئه عن الواجب، هذا مذهب الحنفيّة والمالكيّة والحنابلة‏.‏ ونصّ المالكيّة أيضاً على أنّه لو صلّى الظّهر، ثمّ بلغ قبل صلاة الجمعة، تجب عليه الجمعة مع النّاس‏.‏ وكذا إن صلّى الجمعة، ثمّ بلغ ووجد جمعةً أخرى، وجب عليه الإعادة معهم، وإن فاتته الجمعة أعادها ظهراً، لأنّ فعله الأوّل - ولو جمعةً - وقع نفلاً، فلا يجزئ عن الفرض‏.‏ أمّا مذهب الشّافعيّة، فهو أنّه لا يلزم الصّبيّ الإعادة إذا بلغ في الوقت وقد صلّى، قالوا‏:‏ لأنّه أدّى وظيفة الوقت‏.‏ ولو أنّه بلغ في أثناء الصّلاة يلزمه إتمام الصّلاة الّتي هو فيها، ولا يجب عليه إعادتها، بل تستحبّ‏.‏

31 - تجب عليه الصّلاة الّتي بلغ في وقتها، كما تقدّم، ويجب عليه مع ذلك أن يصلّي الصّلاة الّتي تجمع إلى الحاضرة قبلها، فلو بلغ قبل أن تغرب الشّمس وجب عليه أن يصلّي الظّهر والعصر، ولو بلغ قبل الفجر وجب عليه أن يصلّي المغرب والعشاء‏.‏ قال ابن قدامة‏:‏ روي هذا القول عن عبد الرّحمن بن عوفٍ وابن عبّاسٍ وطاووسٍ ومجاهدٍ والنّخعيّ والزّهريّ وربيعة، وهو قول مالكٍ والشّافعيّ واللّيث وإسحاق وأبي ثورٍ وعامّة التّابعين، إلاّ أنّ مالكاً قال‏:‏ لا تجب الأولى إلاّ بإدراك ما يسع خمس ركعاتٍ أي الصّلاة الأولى منهما كاملةً وركعةً واحدةً على الأقلّ من الثّانية‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ لو أدرك ما يسع تكبيرة إحرامٍ فقد لزمته الصّلاتان‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ بإدراك ركعةٍ واحدةٍ‏.‏ ووجه هذا القول‏:‏ أنّ وقت الثّانية هو وقت للأولى حال العذر، أي لأنّه يمكن في حال السّفر أو نحوه أن يؤخّر الظّهر إلى العصر، والمغرب إلى العشاء، فوقت العصر وقت للظّهر من وجهٍ، وكذلك المغرب والعشاء، فكأنّه بإدراكه وقت الثّانية مدرك للأولى أيضاً‏.‏ وخالف في هذه المسألة الحنفيّة والثّوريّ والحسن البصريّ، فرأوا أنّه يصلّي الصّلاة الّتي بلغ في وقتها فقط‏.‏

ثالثاً - الصّوم‏:‏

32 - إن بيّت الصّبيّ الصّوم في رمضان، ثمّ بلغ أثناء النّهار وهو صائم، فإنّه يجب عليه إتمام صومه بغير خلافٍ، لأنّه - كما قال الرّمليّ الشّافعيّ - صار من أهل الوجوب في أثناء العبادة، فأشبه ما لو دخل البالغ في صوم تطوّعٍ، ثمّ نذر إتمامه‏.‏ فإن صام في تلك الحال فلا قضاء عليه إلاّ في وجهٍ عند الحنابلة‏.‏ أمّا إن بيّت الإفطار، ثمّ بلغ أثناء النّهار، فقد اختلف الفقهاء في ذلك في موضعين‏:‏ في حكم الإمساك بقيّة النّهار، وفي حكم قضاء ذلك اليوم‏.‏

33 - فأمّا الإمساك فقد اختلفوا فيه‏:‏ فذهب الحنفيّة والحنابلة - وهو قول لدى الشّافعيّة - إلى أنّه يجب عليه الإمساك بقيّة اليوم، لإدراكه وقت الإمساك، وإن لم يدرك وقت الصّوم‏.‏ واحتجّوا بما ورد في فرض عاشوراء - قبل أن ينسخ بفرض رمضان - فقد قال النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏من كان منكم أصبح مفطراً فليمسك بقيّة يومه، ومن كان أصبح صائماً فليتمّ صومه‏}‏ قالوا‏:‏ والأمر يقتضي الوجوب، وذلك لحرمة الشّهر‏.‏ وذهب الشّافعيّة - في الأصحّ عندهم - إلى أنّ الإمساك في تلك الحال مستحبّ، وليس واجباً‏.‏ وإنّما استحبّوه لحرمة الوقت‏.‏ ولم يجب الإمساك في تلك الحال، لأنّه أفطر بعذرٍ هو الصّغر، فأشبه المسافر إذا قدم، والمريض إذا برأ‏.‏ وذهب المالكيّة إلى أنّ الإمساك حينئذٍ لا يجب ولا يستحبّ، ككلّ صاحب عذرٍ يباح لأجله الفطر‏.‏

34 - وأمّا القضاء قد اختلفوا فيه كذلك‏:‏ فذهب الشّافعيّة - في قولٍ - إلى أنّ القضاء واجب، وفصّل الحنابلة بين من أصبح مفطراً، ثمّ بلغ في أثناء النّهار، فالقضاء واجب عليه، لأنّه أدرك جزءاً من وقت الوجوب، ولا يمكن فعله إلاّ بصومٍ كاملٍ‏.‏ وبين من بيّت الصّوم من اللّيل، وأصبح صائماً ثمّ بلغ، فلا قضاء عليه، خلافاً لأبي الخطّاب منهم‏.‏ وقال الحنفيّة والمالكيّة، والشّافعيّة في الأصحّ عندهم‏:‏ لا يجب القضاء لعدم تمكّنه من زمنٍ يسع الكلّ‏.‏ وفرّقوا بين ذلك وبين الصّلاة، إذ يجب فعلها لمن بلغ في الوقت، لأنّ السّبب فيها الجزء المتّصل بأدائها، فوجدت الأهليّة عنده، وأمّا الصّوم فالسّبب فيه الجزء الأوّل والأهليّة منعدمة فيه، وبهذا علّله الحنفيّة‏.‏ هذا وقد ورد في المغني أنّ الأوزاعيّ كان يرى أنّ الصّبيّ إذا بلغ أثناء شهر رمضان، يلزمه قضاء الأيّام الّتي سبقت بلوغه من الشّهر، إن كان قد أفطرها، وهو خلاف ما عليه عامّة أهل العلم‏.‏

رابعاً‏:‏ الزّكاة‏:‏

35 - اختلف في وجوب الزّكاة على من لم يبلغ‏.‏ فذهب جمهور الفقهاء إلى وجوبها، لتعلّق الوجوب بالمال‏.‏ وذهب الحنفيّة إلى أنّها لا تجب، لأنّها عبادة تلزم الشّخص المكلّف، والصّبيّ ليس من أهل التّكليف‏.‏ فعلى هذا إذا بلغ الصّبيّ‏:‏ فعند الحنفيّة يبدأ حول زكاته من حين بلوغه، إن كان يملك نصاباً‏.‏ أمّا عند غير الحنفيّة‏:‏ فالحول الّذي بدأ قبل البلوغ ممتدّ بعده‏.‏ وعند غير الحنفيّة كذلك يلزم الصّبيّ إذا بلغ راشداً أداء الزّكاة، لما مضى من الأعوام، منذ دخل المال في ملكه، إن لم يكن وليّه يخرج عنه الزّكاة‏.‏ أمّا إن بلغ سفيهاً، فاستمرّ الحجر عليه، فإنّه عند الحنفيّة يؤدّيها بنفسه لاشتراط النّيّة، ولا يقوم عنه وليّه في ذلك‏.‏ قالوا‏:‏ غير أنّه يدفع القاضي إليه قدر الزّكاة ليفرّقها، لكن يبعث معه أميناً، كي لا يصرفها في غير وجهها، بخلاف النّفقات الواجبة على السّفيه لأقاربه مثلاً، فإنّ وليّه يتولّى دفعها لعدم اشتراط النّيّة فيها‏.‏ أمّا عند الشّافعيّة، قد قال الرّمليّ‏:‏ لا يفرّق السّفيه الزّكاة بنفسه، لكن إن أذن له الوليّ، وعيّن المدفوع له، صحّ صرفه، كما يجوز للأجنبيّ توكيله فيه‏.‏ وينبغي أن يكون تفريقه الزّكاة بحضرة الوليّ أو نائبه، لاحتمال تلف المال لو خلا به السّفيه، أو دعواه صرفها كاذباً‏.‏ ولم يتعرّض لكون الوليّ يخرجها أو يؤخّرها إلى الرّشد‏.‏ ولم يتعرّض المالكيّة والحنابلة لهذه المسألة فيما رأيناه من كلامهم‏.‏

خامساً‏:‏ الحجّ‏:‏

36 - إذا حجّ الصّغير ثمّ بلغ فعليه حجّة أخرى، هي حجّة الإسلام بالنّسبة إليه، ولا تجزئه الحجّة الّتي حجّها قبل البلوغ‏.‏ نقل الإجماع على ذلك التّرمذيّ وابن المنذر، لقول النّبيّ صلى الله عليه وسلم‏:‏ ‏{‏إنّي أريد أن أجدّد في صدور المؤمنين عهداً‏:‏ أيّما مملوكٍ حجّ به أهله فمات قبل أن يعتق فقد قضى حجّه، وإن عتق قبل أن يموت فليحجّ، وأيّما غلامٍ حجّ به أهله قبل أن يدرك، فقد قضى حجّته، وإن بلغ فليحجج‏}‏، ولأنّها عبادة بدنيّة فعلها قبل وقت الوجوب، فلم يمنع ذلك وجوبها عليه في وقتها‏.‏ قال الرّمليّ‏:‏ والمعنى فيه‏:‏ أنّ الحجّ وظيفة العمر، لا تكرار فيه، فاعتبر وقوعه في حالة الكمال‏.‏

37 - إذا بلغ المراهق ‏(‏أو المراهقة‏)‏ وهو محرم بعد أن تجاوز الميقات، فإن كان بلوغه وهو واقف بعرفة، أو قبل الوقوف، أو كان بلوغه بعد الوقوف، ولكن رجع فوقف بعرفاتٍ قبل الفجر من ليلة يوم النّحر، وأتمّ المناسك كلّها، فهل تجزئه ذلك عن حجّة الإسلام ‏؟‏ مذهب الشّافعيّ وأحمد‏:‏ أنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام، ولا دم عليه، ولا يجدّد لحجّته تلك إحراماً، لما ورد عن ابن عبّاسٍ أنّه قال‏:‏ إذا عتق العبد بعرفة أجزأت عنه حجّته، فإن عتق بجمعٍ - يعني المزدلفة - لم تجزئ عنه وقياساً على ما لو أحرم غيره من البالغين الأحرار بعرفة، فإنّ ذلك يجزئه عن حجّة الإسلام إذا أتمّ مناسكه، فكذلك من بلغ بعرفة‏.‏ ومذهب الحنفيّة أنّ ذلك يجزئه بشرط أن يجدّد إحراماً بعد بلوغه قبل الوقوف، فإن لم يجدّد إحراماً لم يجزئه، لأنّ إحرامه انعقد نفلاً، فلا ينقلب فرضاً‏.‏ قالوا‏:‏ والإحرام وإن كان شرطاً للحجّ إلاّ أنّه شبيه بالرّكن، فاعتبرنا شبه الرّكن احتياطاً للعبادة‏.‏ وفي روايةٍ عن الشّافعيّ - كما في مختصر المزنيّ - أنّ عليه في ذلك دماً، أي لأنّه كمن جاوز الميقات غير محرم‏.‏ ومذهب مالكٍ أنّ ذلك لا يجزئه عن حجّة الإسلام أصلاً‏.‏ وليس له أن يجدّد إحرامه بعد بلوغه‏.‏ ولكن عليه أن يمضي على إحرامه الّذي احتلم فيه، ولا يجزئه من حجّة الإسلام‏.‏

38 - إذا تجاوز الصّبيّ الميقات غير محرمٍ، ثمّ بلغ، فأحرم من مكان دون الرّجوع إلى الميقات‏:‏ يرى الحنفيّة والمالكيّة، وهو رواية عند الحنابلة أنّه يجزئه ذلك، وليس عليه دم، لأنّه كالمكّيّ ومن كان منزله دون الميقات‏.‏ ويرى الشّافعيّ، وهو الرّواية الأخرى عن أحمد‏:‏ أنّ عليه إن لم يرجع إلى الميقات دماً، لأنّه تجاوز الميقات دون إحرامٍ‏.‏

سادساً‏:‏ خيار البلوغ‏:‏ تخيير الزّوج والزّوجة في الصّغر‏:‏

39 - يرى أكثر الحنفيّة‏:‏ أنّ الصّغير أو الصّغيرة - ولو ثيّباً - إن زوّجهما غير الأب والجدّ، كالأخ أو العمّ، من كفءٍ وبمهر المثل، صحّ النّكاح، ولكن لهما خيار الفسخ بالبلوغ، إذا علما بعقد النّكاح قبل البلوغ أو عنده، أو علما بالنّكاح بعد البلوغ، بأن بلغا ولم يعلما به ثمّ علما بعده، فإن اختار الفسخ لا يتمّ الفسخ إلاّ بالقضاء، لأنّ في أصله ضعفاً، فيتوقّف على الرّجوع إلى القضاء‏.‏ وقال أبو يوسف‏:‏ لا خيار لهما، اعتباراً بما لو زوّجهما الأب والجدّ، ويبطل خيار البكر بالسّكوت لو مختارةً عالمةً بأصل النّكاح، ولا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح‏.‏ أي إذا بلغت وهي عالمة بالنّكاح، أو علمت به بعد بلوغها، فلا بدّ من الفسخ في حال البلوغ أو العلم، فلو سكتت - ولو قليلاً - بطل خيارها، ولو قبل تبدّل المجلس‏.‏ وكذا لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها أو علمها بالنّكاح، بأن جهلت بأنّ لها خيار البلوغ، أو بأنّه لا يمتدّ إلى آخر مجلس بلوغها، فلا تعذر بدعوى جهلها أنّ لها الخيار، لأنّ الدّار دار إسلامٍ، فلا تعذر بالجهل، وهذا عند أبي حنيفة وأبي يوسف‏.‏ وقال محمّد‏:‏ إنّ خيارها يمتدّ إلى أن تعلم أنّ لها خياراً، وخيار الصّغير إذا بلغ والثّيّب - سواء أكانت ثيّباً في الأصل، أو كانت بكراً، ثمّ دخل بها، ثمّ بلغت - لا يبطل بالسّكوت بلا صريح الرّضا، أو دلالةٍ على الرّضا، كقبلةٍ ولمسٍ ودفع مهرٍ، ولا يبطل بقيامها عن المجلس، لأنّ وقته العمر، فيبقى الخيار حتّى يوجد الرّضا‏.‏ وإذا زوّج القاضي صغيرةً من كفءٍ، وكان أبوها أو جدّها فاسقاً، فلها الخيار في أظهر الرّوايتين عند أبي حنيفة، وهو قول محمّدٍ‏.‏

40 - وعند المالكيّة‏:‏ إذا عقد للصّغير وليّه - أباً كان أو غيره - على شروطٍ شرطت حين العقد، وكانت تلزم إن وقعت من مكلّفٍ - كأن اشترط لها في العقد أنّه إن تزوّج عليها فهي، أو الّتي تزوّجها طالق - أو زوّج الصّغير نفسه بالشّروط وأجازها وليّه، ثمّ بلغ وكره بعد بلوغه تلك الشّروط - والحال أنّه لم يدخل بها، لا قبل البلوغ ولا بعده - عالماً بها، فهو مخيّر بين التزامها وثبوت النّكاح، وبين عدم التزامها وفسخ النّكاح بطلاقٍ، ومحلّ ذلك ما لم ترض المرأة بإسقاط الشّروط‏.‏ والصّغيرة في هذا حكمها حكم الصّغير‏.‏ والتّفصيل في باب ‏(‏الولاية‏)‏ من كتب الفقه‏.‏ وإن زوّج الصّغير نفسه بغير إذن وليّه، فلوليّه فسخ عقده بطلاقٍ، لأنّه نكاح صحيح، غاية الأمر أنّه غير لازمٍ‏.‏ وقال ابن الموّاز من المالكيّة‏:‏ إذا لم يرد الوليّ نكاح الصّبيّ - والحال أنّ المصلحة في ردّه - حتّى كبر وخرج من الولاية جاز النّكاح، وينبغي أن ينتقل النّظر إليه فيمضي أو يردّ، ومفاده أنّ للصّغير حقّ الاختيار بعد بلوغه‏.‏ والتّفصيل في باب ‏(‏الولاية‏)‏‏.‏

41 - ويرى الشّافعيّة في قولٍ عندهم‏:‏ أنّ الصّغير إذا زوّجه أبوه امرأةً معيبةً بعيبٍ صحّ النّكاح، وثبت له الخيار - إذا بلغ - ولا يصحّ على المذهب لأنّه خلاف الغبطة‏.‏ والصّغير إن زوّجه أبوه من لا تكافئه، ففي الأصحّ أنّ نكاحه على هذا الوجه جائز، لأنّ الرّجل لا يتعيّر باستفراش من لا تكافئه، ولكن له الخيار‏.‏ وهناك قول بعدم صحّة العقد، لأنّ الولاية ولاية مصلحةٍ، وليست المصلحة في تزويجه ممّن لا تكافئه‏.‏ وإن زوّج الأب أو الجدّ الصّغيرة من غير كفءٍ يثبت لها الخيار إذا بلغت، لوقوع النّكاح على الوجه المذكور صحيحاً على خلاف الأظهر، والنّقص لعدم الكفاءة يقتضي الخيار‏.‏ وعلى الأظهر‏:‏ التّزويج باطل‏.‏

42 - وعند الحنابلة لا يجوز لغير الأب تزويج الصّغيرة، فإن زوّجها الأب فلا خيار لها، وإن زوّجها غير الأب فالنّكاح باطل‏.‏ وفي روايةٍ‏:‏ يصحّ تزويج غير الأب، وتخيّر إذا بلغت، كمذهب أبي حنيفة‏.‏ وقيل‏:‏ تخيّر إذا بلغت تسعاً‏.‏ فإن طلقت قبله وقع الطّلاق وبطل خيارها‏.‏ وكذا يبطل خيارها إن وطئها بعد أن تمّ لها تسع سنين ولم تخيّر‏.‏ وليس لوليّ صغيرٍ تزويجه بمعيبةٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح، وكذا ليس لوليّ الصّغيرة تزويجها بمعيبٍ بعيبٍ يردّ به في النّكاح، لوجوب نظره لهما بما فيه الحظّ والمصلحة، ولا حظّ لهما في هذا العقد، فإن فعل وليّ غير المكلّف والمكلّفة بأن زوّجه بمعيبٍ يردّ به - عالماً بالعيب - لم يصحّ النّكاح، لأنّه عقد لهما عقداً لا يجوز، وإن لم يعلم الوليّ أنّه معيب صحّ العقد، ووجب عليه الفسخ إذا علم‏.‏ وهذا خلافاً لما ورد في المنتهى فيما يوهم إباحة الفسخ، ومن الحنابلة من قال‏:‏ لا يفسخ، وينتظر البلوغ لاختيارهما‏.‏ وتفصيل ما ذكر يرجع إليه في باب ‏(‏النّكاح، والولاية‏)‏‏.‏

سابعاً - انتهاء الولاية على النّفس بالبلوغ‏:‏

43 - عند الحنفيّة‏:‏ تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة لولاية الإنكاح في الحرّة بالتّكليف ‏(‏البلوغ والعقل‏)‏ فيصحّ نكاح حرّةٍ مكلّفةٍ بلا رضى وليٍّ، وتترتّب الأحكام من طلاقٍ وتوارثٍ وغيرهما‏.‏ وتنتهي الحضانة للجارية البكر ببلوغها بما تبلغ به النّساء من الحيض ونحوه، ويضمّها الأب إلى نفسه وإن لم يخف عليها الفساد، لو كانت حديثة السّنّ، والأخ والعمّ كذلك عند فقد الأب ما لم يخف عليها منهما، فينظر القاضي امرأةً ثقةً فتسلّم إليها، وتنتهي ولاية الأب على الأنثى إذا كانت مسنّةً، واجتمع لها رأي، فتسكن حيث أحبّت حيث لا خوف عليها، وإن ثيّباً لا يضمّها إلاّ إذا لم تكن مأمونةً على نفسها، فللأب والجدّ الضّمّ، لا لغيرهما كما في الابتداء‏.‏ وتنتهي ولاية الأب على الغلام إذا بلغ وعقل واستغنى برأيه، إلاّ إذا لم يكن مأموناً على نفسه، بأن يكون مفسداً مخوفاً عليه، فللأب ولاية ضمّه إليه لدفع فتنةٍ أو عارٍ، وتأديبه إذا وقع منه شيء، والجدّ بمنزلة الأب فيما ذكر من أحكام البكر والثّيّب والغلام‏.‏ وعند المالكيّة‏:‏ تنتهي الولاية على النّفس بالنّسبة للصّغير ببلوغه الطّبيعيّ، وهو بلوغ النّكاح، فيذهب حيث شاء، ولكن إذا كان يخشى عليه الفساد لجماله مثلاً، أو كما إذا كان يصطحب الأشرار وتعوّد معهم أخلاقاً فاسدةً، يبقى حتّى تستقيم أخلاقه‏.‏ وإذا بلغ الذّكر رشيداً ذهب حيث يشاء، لانقطاع الحجر عنه بالنّسبة لذاته، وإذا بلغ الذّكر - ولو زمناً أو مجنوناً - سقطت عنه حضانة الأمّ على المشهور‏.‏ وبالنّسبة للأنثى، فتستمرّ الحضانة عليها والولاية على النّفس حتّى تتزوّج، ويدخل بها الزّوج‏.‏ وعند الشّافعيّة‏:‏ تنتهي الولاية على الصّغير - ذكراً كان أو أنثى - بمجرّد بلوغه‏.‏ وعند الحنابلة‏:‏ لا تثبت الحضانة إلاّ على الطّفل أو المعتوه، فأمّا البالغ الرّشيد فلا حضانة عليه، فإن كان رجلاً فله الانفراد بنفسه لاستغنائه عن أبويه، وإن كانت أنثى لم يكن لها الانفراد، ولأبيها منعها منه، لأنّه لا يؤمن أن يدخل عليها من يفسدها، ويلحق العار بها وبأهلها، وإن لم يكن لها أب فلوليّها وأهلها منعها من ذلك‏.‏

ثامناً‏:‏ الولاية على المال‏:‏

44 - تنقضي الولاية على المال أيضاً ببلوغ الصّغير عاقلاً، ذكراً كان أو أنثى، وينفكّ الحجر عنه، ولكن يشترط لذلك باتّفاق الفقهاء أن يكون رشيداً، لقوله تعالى‏:‏ ‏{‏وابتلوا اليتامى حتّى إذا بلغوا النّكاح فإن آنستم منهم رشداً فادفعوا إليهم أموالهم‏}‏ وفي المسألة خلاف وتفصيل يرجع لمعرفته إلى أبواب الحجر‏.‏